حظي السوريون بساعتين من التمتع بكهرباء مضاءة من دون انقطاع، لكن دفعوا ثمنها الاستماع ولمدة ساعتين مستمرة إلى خطاب إنشائي فقير من رئيسهم بشار الأسد الذي طالبته الثورة بالرحيل، ووصفت المعارضة الخطاب بأنه عودة جديدة لمصطلحات الثمانينات في عصر الأسد الأب، مثلما تشبث بآلياته القمعية من دون ان يفطن إلى ان الواقع قد اختلف. بدا خطاب الرئيس واجباً منزلياً على الشعب، كل استمع له بحسب أمانيه، ففيما ظن بعض الثوار أنه قد يلوح بفرج ويتنحى الرئيس، فإن معارضاً سورياً هو حازم النهار قال لولا إن الإعلام سيسألني عنه في الغد لما استمعت إليه، بينما اعتبره البعض ضريبة ساعتين مضاءتين بالكهرباء. ماذا لو انقطعت الكهرباء، وحرم الناس من سماع خطاب الرئيس؟ ما الذي سيتغير؟ لا شيء تقريباً. سيبقى الثوار في الشارع، والمعارضة ستندد ببقاء الرئيس الذي احتل كرسي الرئاسة، الذي ورثه عن أبيه في نظام جمهوري، ولا يريد أن يهبط منه، رغم فشل سياسته وأقل ما فيها الفشل الاقتصادي، الذي يعتبر بحد ذاته فضيحة تستوجب التنحي في أية حكومة تحترم سياستها. فما بالك أن يتسبب هذا النظام بثورة تطالبه بالرحيل، وتتسبب بشلل الأنشطة الصناعية والزراعية والتجارية كافة، وتتعطل بسبب عناد الرئيس عمليات الاستيراد والتصدير، حتى أصبحت عاجزة عن توفير الوقود لإشعال المدافئ والمطابخ. هذا غير مشكلاتها التي ثار من أجلها الثوار، وأهمها الانفراد بالحكم والاستبداد فيه. فخرج الشعب بأغنية غناها المطرب إبراهيم قاشوش تقول: «إرحل... إرحل يا بشار». تضمّن الخطاب شتيمة عربية فصيحة هي «خسئتم». أعادت إلى الذاكرة المسلسلات التلفزيونية الفصحى، ولولا ثقتي بأن السوريين جميعهم محصنون بخلفية عربية قوية لقلت إنهم قد يحتاجون إلى ترجمة للكلمة توضع مع الخطاب تفسر لمشاهديه ماذا عنت «خسئتم» لأنها من المفردات القديمة التي لم يعد أحد يستخدمها. وزاد الرئيس بأن وصف الإخوان المسلمين ب «إخوان الشياطين». من ضمن ما تميزت به الثورات العربية هي التحليلات اللغوية لخطاب الرؤساء وشتائمهم الشتام، لتؤكد واقعاً عربياً مريراً يشير إلى أن على الشعب بعد كل خطاب رئيس عربي أن يتحضر بحزمة مناديل ورقية ليمسح ما علق على وجهه من شتائم، فهذا هو الحق الذي لا يتنازل عنه الرئيس تجاه الشعب حين يثور عليه. وأنا أشاهد الرئيس السوري يشتم كعادة سابقيه ويهديهم فوق القتل والسحل والصور التذكارية لموت الأطفال والنساء ونشر الرعب بينهم شتيمة، أفكر لو أن هذا الرئيس سقط غداً ووقع بين أيدي هؤلاء الثوار الذين عذبوا فردوا عليه العذاب، كما فعل الثوار بالقذافي، فهل ستشغلنا الفضائيات مرة اخرى بالحديث عن اخلاق العفو، وحق الأسير والحفاظ على رباطة الجأش؟! إنه مجرد سؤال جدير بأن يجعلنا نتفادى الوقوع في الخطأ مرتين، ومن العدل أن نضع الصورة بين الزمنين والحدثين تماماً كما تفعل دعايات التجميل حين تضع لنا صورة ما قبل العملية وما بعدها. لنضع صورة الرئيس قبل الثورة وبعدها؟ النظام السوري قبض على المطرب إبراهيم قاشوش صاحب أغنية «إرحل... إرحل يا بشار» واحدة من اغاني الثورة السورية، وفي مشهد مصور بثته الفضائيات شاهدنا جثته وقد مزقت حنجرته بموسى حادة، ثم رميت عند نهر العاصي. صورت الكاميرات مكان الحنجرة المنتزعة وروع بها كل من يجرؤ على الغناء أو الصراخ ضد الرئيس. ما لا يفهمه الرئيس أن المطرب مات وحنجرته قصت وربما رموا بها للكلاب، لكن بقيت أغنية حية يغنيها شباب سورية وشيوخها ولا يزالون حتى هذه اللحظة يرقصون عليها الدبكة الشعبية في مدن سورية الثائرة. عجزنا ونحن نقول للحاكم إن قص حنجرة ينبت منها آلاف الحناجر، حتى ولو اتبعها بشتيمة قديمة مثل «خسئتم». [email protected]