في ظل الضبابية التي تحيط بكثير من القرارات والتوجهات السياسية لدى بعض الدول في المنطقة خصوصاً في الفترة الأخيرة، تبرز شفافية ووضوح السياسة السعودية، التي يتبين من متابعة مواقفها وقراراتها التزامها بما ينادي به القانون الدولي، وحرصها على أن تكون علاقاتها مع دول العالم كافة قائمة على مراعاة مصالح مواطنيها، من دون المساس بمصالح الدول الأخرى، وهو ما ينقله عرّابها سعود الفيصل عن خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز بقوله «إن للمملكة نهجاً سياسياً واضحاً ومستمراً، وهو التعاون مع جميع الدول والسير بخطوات واثقة وفق القانون الدولي، إذ تحرص المملكة على عدم التدخل في شؤون الغير، مع عدم السماح بالتدخل في شؤونها الداخلية، والحرص في الوقت نفسه على تطوير التعاون مع الدول كافة، وفي مختلف المجالات، وبما يراعي مصالح شعب المملكة». هذه السياسة الواضحة أدت إلى اكتساب المملكة مكانة مرموقة على المستوى الإقليمي والدولي، وحظيت بثقة كثير من دول العالم، وعلى رأسها بريطانيا التي تؤكد خارجيتها في شكل دائم أن «السعودية شريك أساسي للمملكة المتحدة، وتتمتع بنفوذ مهم في الشرق الأوسط وخارجه». عبر هذه الرؤية المشتركة تنطلق العلاقات السعودية - البريطانية، واضعة في الاعتبار أهمية كل طرف فيها، وقدرته الإيجابية في التأثير على كثير من مجريات الأحداث المحلية والدولية. وهو ما تعكسه الزيارات الرفيعة المستوى المتكررة والعديدة بين البلدين. الأمر الذي دفع بكثير من المحللين والمهتمين بالشأن السياسي إلى وصف هذه العلاقة ب«المنزل الذي بني على ركنين ثابتين: العلاقات في مجالي الدفاع والتجارة»، وبحسب موقع السفارة البريطانية لدى الرياض، فإن هذين الركنين التقليديين أضيف إليهما عدداً من الأركان الأخرى، التي تشتمل بصورة عامة على الاهتمامات المشتركة المتعلقة بضمان الاستقرار الإقليمي، والشراكة في مكافحة الإرهاب، والتعاون في مجال التعليم والتدريب، إضافة إلى أن بريطانيا تعد ثاني أكبر مستثمر أجنبي بالمملكة، بحسب موقع الخارجية البريطانية. لقد امتدت العلاقات بين البلدين منذ الملك المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله، الذي استضاف الأميرة البريطانية أليس قرينة حاكم كندا الإيرل أوف أثلون، أثناء عبورها من جدة إلى العقير في 1938، واحتراماً للمقام والمقال فقد ارتدت الأميرة البريطانية الزي العربي، ووضعت على وجهها حجاباً، ما يعكس مدى تقدير البريطانيين وحرصهم على احترام قيم وتقاليد المملكة. وهو موقف نابع من شخصية الملك عبدالعزيز وسياسته التي كانت محل تقدير دائم من الإدارة البريطانية، وهو ما بدا جلياً في المخاطبات المتبادلة بينه وبين السياسي البريطاني المحنك، ورئيس الوزراء ونستون تشرشل في 19 نيسان (أبريل) 1953، حول ما عرف وقتها بأزمة «البريمي»، وجاء في برقية أرسلها السفير البريطاني لدى الرياض جورج بيلهام إلى تشرشل في 10 نيسان (أبريل) قوله «إن الملك عبدالعزيز يتوقع منه توقيف تلك التصرفات غير المسؤولة، من أجل إعادة تأسيس الثقة المتبادلة، ومن أجل تثبيت علاقات الصداقة التاريخية بين البلدين» وجاء رد تشرشل في 15 نيسان (أبريل) بالقول إن «الحكومة البريطانية تأمل في علاقة وثيقة بين السعودية وبريطانيا، وفي التوصل لحل عادل لجميع الإشكاليات العالقة بينهما». بهذه اللغة الواضحة في التواصل ظلت العلاقات السعودية البريطانية قائمة حتى الآن مستندة إلى تقدير كل طرف للآخر، وحرصه على أن تظل قائمة لما فيه مصلحة الطرفين والمنطقة. يذكر أن ملكة بريطانيا الملكة اليزابث الثانية، منحت جلالة خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز «الوسام الأعظم» من طبقة «باث» أثناء زيارته إلى بريطانيا في 1419ه وقت أن كان ولياً للعهد، وذلك تقديراً للعلاقات القوية بين البلدين. لندن منحت الملك عبدالعزيز وسام «الفارس» في 1916