يدخل الكاتب المصري محمد جمال بشير في كتابه «الألتراس، عندما تتحدى الجماهير الطبيعة»، العالم السري لفئة من مشجعي كرة القدم، تقودهم روح مبدعة عنوانها المغامرة وليس التعصب. يكشف الكتاب الصادر أخيراً عن دار «دوَن» في القاهرة، الكثير من المعلومات التي تخص هؤلاء المشجعين المصريين الذين تحولوا خلال الأشهر الأخيرة إلى ظاهرة ثورية عبر روابط تنظيمية فائقة القدرة وأداء يتسم بالفدائية. وهو ما يشير إليه الكاتب المعروف في أوساط المدونين باسم «جيمي هود»، مؤكداً أن الثورة أدخلت الألتراس في قلب المشهد الاجتماعي كفصيل على مقدار عال من التنظيم وبطريقة لم ينافسهم فيها إلا الأفراد المنتمون إلى جماعة «الإخوان المسلمين». ويوضح الكتاب أن عناصر الألتراس كان بينها وبين فرق الأمن المصري نوع من الثأر، إذ سعت الأخيرة إلى ترسيخ نمط غير إنساني في التعامل مع المشجعين في الملاعب، وبالتالي صار الألتراس خبراء في المواجهة مع الأمن، ما مكنهم من المناورة خلال الأيام الأولى من الثورة، ثم المبادرة بالهجوم، خصوصاً خلال المواجهات التي عرفت باسم «موقعة الجمل» في 2 شباط (فبراير) 2011. ويلفت الكتاب إلى أن الألتراس أعلنوا باكراً دعمهم فكرة النزول إلى الشارع يوم 25 كانون الثاني (يناير) الماضي وقبل أي فصيل سياسي منظم. غير أن أهم ما يشير إليه في هذه النقطة هو أن المشاركة في الثورة لا تعني، خلافاً لاعتقادات كثيرة، تحول «الألتراس» إلى قوى سياسية بسبب عدم توافق عناصرها على خط سياسي واضح، وبالتالي فمطالبهم عمومية قاصرة على الحرية والعدالة الاجتماعية. ويرصد الكتاب المكرس لشرح ثقافة «الألتراس»، الفارق النوعي بين هؤلاء وغيرهم من المشجعين، فهم «ليسوا مجموعة من الهمجيين الذين لا يتوقفون عن العراك من أجل فريقهم الكروي، بل هم فئة تعرف معنى الانتماء والعطاء بلا حدود ودون انتظار المقابل المادي». وهم وفقاً لهذا التصنيف لا يتشابهون مع المشجعين الذين يدعمون فريقهم اعتماداً على نتائجه في المسابقات، فهذه الفئة من المشجعين تحول الرياضة إلى سلعة استهلاكية وتدعم المنافسة بصراعات اجتماعية، وهو أمر يعمل «الألتراس» على مواجهته بحزم. ليسوا الجماهير ولا يؤمن الكتاب كذلك بمساواة الألتراس بالجماهير التي تشجع بتفانٍ بغض النظر عن النتائج لأن هؤلاء أيضاً يشجعون وفق آليات قديمة، بينما الألتراس يراهنون على التشجيع باستمرار ويعملون على حشد الجمهور باتجاه الملعب لتحقيق ثقافة التشجيع والاستمتاع بها انطلاقاً من منطقة في المدرجات يسميها «المنطقة العمياء»، وهي منحنى خلف المرمى يصطف عنده «الألتراس». وكلمة «ألتراس» ظهرت للمرة الأولى في أوائل ستينات القرن الماضي بين مشجعي نادي إنتر ميلان الإيطالي، و»ألترا» هي كلمة لاتينية تعني «الفائق»، أو ما فوق الطبيعي، وهو تعبير عن الانتماء والتفاني فيه، والعمل براديكالية لدعم هذا العشق. ويرصد الكاتب في جداول، دليل الألتراس في العالم وشعاراتهم ومصادر تمويلهم والقوانين التي تحكم هذا العالم الخصب. كما يركز على أسباب انتشار الألتراس في العالم العربي، مؤكداً أن ظهوره بدأ في ليبيا عام 1989 مع «ألتراس دراغون»، من مشجعي نادي «الاتحاد»، لكن الظاهرة ذاتها بدأت بما يسمى «خلايا الأحباء»، ثم تطورت في تونس واجتاحت الشمال الأفريقي وبطريقة غيرت من الصورة القديمة لروابط المشجعين، إذ التهمت محاولات تدجينها، وتجلت بفضلها معاني مقاومة إغراءات الأموال الرسمية. وكما بدأت شرارة ثورات «الربيع العربي» من تونس، بدأت عملية تأسيس «الألتراس» عربياً من هناك أيضاً، مع ظهور «البريجاد روج»، أو جماهير نادي «النجم الساحلي» الذين رفعوا أيقونات ثورية» مثل تشي غيفارا، لمقاومة نفوذ أندية العاصمة. كما سعت سلطات الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي إلى ضرب مجموعات «الألتراس» بعد حل مجموعات «زاباتيستا أسبيرانزا» عام 2009 (مشجعي فريق الترجي) وهو قرار أدى إلى حركة تضامن واسعة نظمتها مجموعات «الألتراس» العربية. ويعتقد مؤلف الكتاب أن «الألتراس» في تونس بدأت تنزلق باتجاه التعصب والشغب بعد خلع بن علي. ويرى أنه من الصعب نمو ظاهرة «الألتراس» بين جماهير كرة القدم في دول الخليج العربي التي يصفها ب «الكلاسيكية»، فهي جماهير تذهب إلى الملاعب بالملابس العادية وتتابع المباريات جلوساً.