يبدو أن المتغيرات السريعة للمشهد السياسي في مصر منذ ثورة 25 يناير وجدت في ملاعب كرة القدم مرآة تنعكس منها مجموعة من الصور ال «سريالية» عن تذبذب الأوضاع السياسية وشاهدناها في سلسلة من المباريات انتهت بمذبحة تاريخية في استاد بورسعيد الرياضي مساء الأربعاء 1 فبراير الجاري ونتج عنها أكثر من سبعين قتيلاً ومئات الجرحى، ووقعت متزامنة مع الذكرى الأولى ل «موقعة الجمل». جذور الكارثة قديمة، أفرزتها معادلة سياسية رياضية مُعقّدة دفعت «الألتراس سوبر جرين» و«الألتراس الأهلاوي» أي جماهير النادي المصري والأهلي نحو معارك جماهيرية ضروس تطورت لتضيف أبعاداً سياسية خطيرة حين وجدت في الثورة متنفساً لتفريغ الاحتقانات القديمة التي تسبب فيها النظام السابق وربما منها القضية رقم 1109 عام 1999م أو حادثة محاولة اغتيال مبارك المزعومة في بورسعيد على يد المواطن «العربي السيد سليمان» والذي اتضح لاحقاً أنه كان يحاول تقديم شكوى خاصة عن طلب استعجال تسلم منحة سكنية من المحافظة، وبسبب هذه الحادثة تم إلغاء المنطقة الحرة في بورسعيد منذ حينه وفرضت عقوبات اقتصادية قاسية على جميع مدن المحافظة. في الماضي، كانت لقاءات الفريقين دائماً متوترة، مشجعي المصري آمنوا بأن الأهلي هو نادي الحكومة الذي لا يقهر، وأجزموا بأن الأهلي يشتري الحكام، لذلك تكفلوا كثيراً بجلب الحكام الأجانب خلال لقاءاتهم السابقة التي اعتاد الأمن على ضبط أحداثها وقمع البلطجة. لكن سيناريو كارثة استاد بورسعيد الأخيرة كان مختلفاً، ألتراس الأهلي ذهبوا إلى بورسعيد في رحلة عصيبة عبر القطار، حيث كان في انتظارهم مئات البلطجية ليقذفوهم بالحجارة ويرهبوهم بالهتافات السلبية قبل اللقاء تحت حماية أمنية مهزوزة منذ إلغاء حالة الطوارئ وقانون رقم 162 (قانون الطوارئ)، وأثناء دخول جماهير الفريقين إلى المدرجات كان رجال الأمن متراخين عن صرامتهم المعهودة تحسباً من إثارة الجماهير.. بعض المحسوبين من جماهير الفريقين استطاعوا تمرير الكثير من «الشماريخ» أو الألعاب النارية ومعها كميات من الأسلحة البيضاء والممنوعات، وكان «ألتراس سوبر جرين» أو رابطة مشجعي المصري يعيشون فرحة عارمة مع تقدمهم، وأطلقوا معها هتافات استفزازية على الطريقة الدارجة: «انت لابس أحمر كدا ليه، انت بنت ولا إيه!»، وأيضاً جماهير الأهلي هي الأخرى ردت بهتافات ضد التوأم حسام وإبراهيم حسن، وبعد الهدف الثالث انطلقت جماهير المصري بشكل هستيري داخل أرضية الملعب فرحة بالفوز ومعها بدأت الكارثة. جماهير الأهلي حاولت الخروج إلا أن أبواب مدرجاتها كانت مُغلقة، وربما السبب المنطقي في ذلك هو محاولة الأمن إخلاء مدرجات المصري أولاً وهو أمر معمول به في كثير من المباريات منعاً للاحتكاك بين جماهير الفريقين، ولكن جماهير الفريقين اشتبكوا في المدرجات.. ألقيت الألعاب النارية على الجماهير وألقيت أيضاً مواسير حديدية دفعت جماهير الأهلي نحو البوابات المغلقة، وتعقّد الوضع مع اندفاع الجمهور والصريخ وكيل الشتائم للأمن حتى فتحوا لهم الأبواب، كانت هناك حالات دهس أصيب فيها المئات وقتل العشرات، وأيضاً تهافت البلطجية على سرقة المشجعين والاعتداء عليهم. هكذا أمسى «الألتراس» على خطى «الهوليجانز» أخطر مثيري الشغب في الملاعب الأوروبية والذين تسبّبوا في مقتل المئات خلال السنوات الماضية، وقد أطلق هذا المصطلح على العصابات اللندنية منذ عام 1880 ثم انطلق إلى ملاعب كرة القدم، وقيل عن «الهوليجانز» بأنهم يُجهِّزون للمشاجرات قبل المباريات ويستعدون لذلك، وقد تسببوا في العديد من الكوارث الدموية في أوروبا مثل هيسيل وباستيا وهايسلبرو.. وغيرها. هناك من يعتقد بوجود مؤامرة تسببت في كارثة بورسعيد، ألتراس الأهلي هتفوا ضد المجلس العسكري في المباراة التي سبقت الكارثة «يسقط يسقط حكم العسكر»، بالإضافة إلى مواقف شباب «الألتراس» في «موقعة الجمل» ضد النظام السابق، وعدم مصافحة الكابتن أبوتريكة للمشير طنطاوي وتصريحه الأخير لليوم السابع: «الداخلية مسؤولة عن كارثة بورسعيد». ولكن بغض النظر عن أي مؤامرات، القرائن تشير إلى ارتباك أمني وسقوط هيبة رجل الأمن.. انعكاس المشهد السياسي المصري على الساحة الكروية، بروز تبعات الماضي على السطح، بالإضافة إلى استغلال هذه الأحداث سياسياً ودينياً يثير الفوضى والفتن في مرحلة أشبه بعنق الزجاجة حيث تمر مصر بمرحلة تغييرات دستورية وانتخابات رئاسية مفصلية في تحديد مستقبلها. وأخيراً.. إن كل ما ذكر في هذا المقال غني بالافتراضات لأنه عجينة من الآراء جمعت من أقوال شهود عيان ولاعبين وجماهير وصحف وكُتَّاب ومُفكِّرين وسياسيين ورجال أمن وبلطجية أيضاً، وإن كان لكاتب المقال من رأي فنختصره: «لا لتسييس الرياضة».