مشهد سريالي ذلك الذي حدث أثناء اعتصام وتظاهرة لذوي الحاجات الخاصة أمام مقر وزارة الشؤون الاجتماعية في صنعاء، مطالبين بإقالة مسؤولي صناديق المعوقين، قبل أن تدهمهم مجموعة من العناصر الموالية للرئيس علي عبدالله صالح وتعتدي عليهم بالضرب. عميان وصم وبكم ومعوّقون على كراس متحركة، بدوا أبطالاً لكوميديا سوداء، في ظل محاولة المعتدين عليهم نزع اللافتات منهم وتفريقهم، وإطلاق النار في الهواء بقصد إخافتهم. وفي معمعة المعركة غير المتكافئة، أخذ متظاهر كفيف ينادي عبر مكبر الصوت: «أين النخوة يا أهل الحارة؟»، طالباً مساعدة السكان، ظنّاً منه على ما يبدو أن المعتدين من عناصر الشرطة. لكن المفارقة المبكية المضحكة، أنه بدلاً من أن تصلهم النجدة خرجت من الحارة مجموعة أخرى من الشبان المناصرين للرئيس صالح، بعضهم يحمل العصي، وساهموا في ضربهم. وفي ما اختلط الحابل بالنابل، راح بعض المتظاهرين من العميان يخبط بيده على رفاقه ظنّاً منه أنهم من المعتدين. أما المشهد الأكثر تعبيراً عن المأساة، فتمثل بفتاة بكماء حاول المعتدون نزع اللافتة منها وهي تمنعهم باستماتة، وحين تمكنوا منها، انتابتها ثورة غضب فأخذت تحرك يديها وكل عضلة في جسمها محاولة الصراخ والاحتجاج. الاعتداء على المعتصمين جاء بعد مغادرة وزيرة الشؤون الاجتماعية أمة الرزاق حمد مقر الوزارة، وهي من قياديي صالح الذين وقعوا على المبادرة الخليجية ممثلة المؤتمر الشعبي الحاكم. وقال مصدر في الوزارة ل «الحياة»، ان الوزيرة طلبت من المتظاهرين ان يقدموا طلباتهم مكتوبة لكنهم لم يفعلوا، وهو ما نفاه المحتجون الذين كانوا يتلون عبر مكبر الصوت رسالة تضمنت مطالبهم. وتمثّلت مطالب ذوي الحاجات الخاصة ومعلميهم بإقالة مسؤولي الصناديق المعنية، مثل صندوق رعاية المعوقين وصندوق الرعاية الاجتماعية. وشكا الطلاب ومعلموهم من سوء الخدمات المقدمة لهم، واتهموا مسؤولي الصناديق بإنفاق الأموال المخصصة للمعوقين في غير محلها، وسوء الإدارة، مطالبين بتثبيت المعلمين والمعلمات المتعاقدين، وتحسين المخصصات العينية، مثل الادوية التي تصل فاسدة في كثير من الاحيان. ومنذ تشكيل حكومة الوفاق الوطني مطلع الشهر الماضي، يشهد اليمن انتفاضات في عدد من المؤسسات الحكومية تطالب بإقالة قيادة هذه المؤسسات المتهمة بالفساد، وبعضهم مضى على وجوده في منصبه ما يزيد على ثلاثين عاماً. وكان المؤتمر الشعبي، الذي يتقاسم مع المعارضة حقائب حكومة الوفاق الوطني، اعتبر هذه الانتفاضات من تدبير المعارضة، ورأى فيها استهدافاً له، وهو ما عبر عنه المؤتمر من خلال معاودة تنظيم مسيرات الجمعة التي كان أعلن عن وقفها، وحملت الجمعة الفائتة التي نظمها انصار الرئيس تحت شعار «إذا عدتم عدنا»، في اشارة الى المسيرات والاحتجاجات التي يتهم المعارضة بالوقوف وراءها. ومنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في شباط (فبراير) الماضي «صارت ايام الجمعة أكثر دموية وأقل تعبيراً عن التسامح»، يقول احد المواطنين الذين شهدوا الاعتداء على المعوقين. وعلى رغم اعلان اللجنة العسكرية إزالة الحواجز والمتاريس من شوارع العاصمة، مازال انتشار السلاح والمسلحين قائماً في مناطق نفوذ الاطراف المتصارعين. ويرشح من احاديث كل طرف مدى الضغينة التي يكنّها للآخر. وصادر انصار الرئيس الذين اعتدوا على تظاهرة المعوقين، آلات التصوير، ومنها كاميرا «الحياة»، كما استخدموا مقار تابعة للوزارة للاحتجاز. ويؤدي العنف الذي يشهده اليمن منذ مطلع العام الماضي الى شعور كثيرين بالخوف على حياتهم، خصوصاً الفئات الضعيفة، مثل المعوقين. ولا يقتصر العنف على المواجهات التي تنشب بين انصار الرئيس صالح والمعارضين لحكمه، بل ويشمل المواجهات التي تنشب بين جماعات تعتبر نفسها متحالفة في الثورة. ويقدّر عدد المعوقين في اليمن بنحو 400 الف شخص، ويشكون من ضعف العناية المقدمة لهم. وتخلو الشوارع والمباني من تسهيلات خاصة بمرور المعوقين. وسبق أن سُجلت حوادث تحرش واعتداء جنسي على تلاميذ معوقين من نزلاء المؤسسات التأهيلية. وفي حادثة ضرب المعوقين تأخرت الشرطة في الوصول الى مكان الحادث، وامتنع حراس الوزارة عن التدخل.