بدا أن أناساً اتخذوا من أكل كل ما هو نباتي عادةً متمثلين شطر بيتٍ للشاعر العباسي الشهير أبي العلاء المعري «فلا تأكل إلا ما أخرج الأرض منبتاً»، في دعوةً صريحة للابتعاد عن مشتقات الأنعام التي يتغذى عليها الإنسان، إذ عُرف عنه في ذلك الوقت عدم تناوله اللحوم، كما أنه بمقولته يعطي إيحاء بفوائد الحبوب والزرع على صحة الإنسان. وفي المقابل يرى الفيلسوف وعالم الرياضيات «فيثاغورس» أنه بتحول الشخص إلى نباتي فهو بذلك يسجل موقفاً رافضاً لكل صور الفتك بالحيوان، وهو ما أكده بقوله الشهير: «ليس هناك أبشع من أن تزدرد الأمعاء أمعاء أخرى، وأن يُسمن الجسد على لحم جسدٍ آخر، وأن يحيا كائن على قتل آخر، وخير لك أن تقنع بكنوز الأرض وخيراتها عن أن تمزق بأنيابك أشلاء جسدٍ آخر لتملأ فمك». وتتفاوت الرؤى بين أولئك المنادين بتحويل المجتمع إلى «نباتي»، فهناك من يعتقد بضرورة ذلك من باب المحافظة على الصحة، وآخرون يعتبرون أن في استهلاك اللحوم ومشتقاتها ضرراً غير مقبول تلحقه المجتمعات بالبيئة الحيوانية، والأرجح هو السبب الأخير الذي دعمه وجود منظمات دولية وعالمية تشجع الكف عن تناول اللحوم الحمراء ومشتقاتها، وجميع الكائنات المتحركة، حفاظاً على عيشها وتكاثرها على الأرض. في السعودية، يسجل النباتيون ازدياداً ملحوظاً، ويمكن وصف هولاء بأنهم في صراعٍ دائم مع المجتمع، نظراً إلى العادات الغذائية التي تسود وتعتمد بشكل كبيرٍ على الولائم المثقلة باللحوم وأصناف الأكلات الدسمة، لكنها أيضاً لا تخلو من تضارب الآراء حول السبب وراء أن تكون نباتياً. وتشير بعض الدروس العلمية إلى ميل النساء بشكلٍ أكبر نحو النظام الغذائي النباتي، بعكس الرجال لاعتبارات نفسية لدى المرأة تشجع بشكلٍ مطلق على رفضهن لهذا النوع من الأطعمة، في مقدمها الاستياء من منظر الذبح، والاشمئزاز من اللحوم الحمراء وغيرهما. ويؤكد اختصاصي التغذية أحمد مدني أن التوجه أخيراً نحو المأكولات النباتية والأنظمة الغذائية الذي بدأ ينتشر في المجتمع، وعند المهتمين بذلك يعكس حالاً من الوعي بدأت تلازم الكثيرين في ما يتعلق بالغذاء والأطعمة التي نتناولها، ويرى أن الجيل الحالي على رغم انتشار السمنة بين فئاته، إلا أن هناك من يعمل على محاربة هذا الداء العالمي باللجوء إلى المأكولات النباتية الخالية من المكونات الحيوانية الضارة، وكذلك ممارسة الرياضة تجنباً للأمراض التي يسببها الإفراط في اللحوم وغيرها من الماكولات الشائعة. ويشيد مدني بتوجه بعض المطاعم نحو تلبية رغبات هؤلاء وتوفير الأصناف المختلفة من الأطعمة النباتية لهم، ويقول: «تلك رسالة لمن لا يراعي اختيار الأكل المناسب»، غير مستبعدٍ أن يكون للجانب الشكلي والمحاكاة دور في بعض الحالات، «فنجوم هوليود على سبيل المثال نسمع أن منهم نباتيين يحاولون دائماً الإعلان عن ذلك، والترويج له عبر وسائل الإعلام لأسباب عدة، إما خدمة للصحة العامة، أو دعماً لبعض المنظمات أو الجهات التي تناهض عمليات الذبح وأكل اللحوم، ويتم استغلال شعبيتهم للتأثير في المتلقي»، معتبراً هذه المحاكاة محمودة وتخدم النواحي الصحية لدى الإنسان، «وهذا يعني أن على الشبان والفتيات تثقيف أنفسهم عن ماهية الغذاء النباتي، وكيف يمكن أن يؤثر في الصحة العامة، إذ لابد من البحث عن القيمة الغذائية، لا عن الأصناف بحد ذاتها». وأضاف مدني: «إن الاهتمام بشريحة النباتيين يزداد بشكلٍ مستمر، فشركات الطيران العالمية على سبيل المثال تلبي بشكلٍ دائم رغبات المسافرين، وتراعي أيضاً توجهاتهم الغذائية، ويجد النباتيون أصنافهم المطلوبة على متن الطائرة من دون جهد أو عناء».