في أقصى جنوب صعيد مصر، تبدو تقاليد المجتمع وعاداته راسخة، لا سيما في ما يخص المرأة، لكن هناك فتيات يتحدين ذلك فينضممن إلى فرقة الأقصر للفنون الشعبية التابعة لوزارة الثقافة المصرية، بل يؤدين «رقصة التنورة»، وهي رقصة شعبية يؤديها الرجال، عادةً في شكل حصري، بصعوبة بالغة وبعد تدريب شاق. ورقصة التنورة بدأتها في مصر الطريقة المولوية، وهي من الصعوبة بمكان بحيث يخوض الراقص الرجل تدريبات شاقة على مدى أعوام لتأدية رقصة لا تتعدى دقائق. يقول مدرب فرقة الأقصر للفنون الشعبية أحمد عبدالرازق إن الفقرة التي تقدمها فرقته، والخاصة برقصة التنورة للفتيات، تعد تجربة أولى من نوعها على مستوى الفرق، إذ كانت هناك تجارب نسائية فردية في هذا المجال، لكن أي فرقة نسائية كاملة لم تأتلف من قبل على تأديتها. ويضيف أن هذه الفكرة تنبع من إيمانه بقدرة الفتاة المصرية على أي فعل يقوم به رجل لا سيما حين يقدّم وجبة روحانية بهذا الزخم. فالفتاة، كما يقول، لا تقل كفاءة عن الرجل في الإبداع والخيال والقوة، وتستطيع أن تقدم فنّاً راقياً ورسالة سامية. ويتابع: «استطعت جمع ست فتيات لتأدية هذه الرقصة، إنما بصعوبة بالغة، فنحن في مجتمع صعيدي ما زال ينظر إلى الفن الشعبي عموماً بريبة، فما بالك بالرقص؟ لكن بمساعدة المثقفين، استطعنا إقناع ذوي الفتيات بأننا نقدم فناً راقياً ورسالة تسمو بالروح». ويقول عبدالرازق، وهو أحد تلامذة الفنان البارز محمود رضا، إن «التنورة فن صعب جداً، ولكي تؤدي الفتيات هذه الرقصة تدرّبن ثلاثة أشهر تقريباً، وكان التدريب مكثفاً، بمعدل ثلاث ساعات من الدوران حول الجسم»، موضحاً أن أي شخص عادي غير مدرب على هذا النوع من الرقص قد يسقط في الدقيقة الثانية من الدوران حول مركز جسمه. وتقول الفنانة وسام أبو الحجاج (20 عاماً): «شاهدت حفلات الفنون الشعبية في ساحة أبي الحجاج، وسط مدينة الأقصر، وأحببت جداً هذه الفنون، وأعجبتني أكثر فكرة التحدي في رقصة التنورة»، وتضيف: «عندما ألفّ حول مركز جسمي لا أركز على شيء معين حولي، وأحس بالحرية، حتى أني مرّة بكيت وأنا أؤدي هذه الرقصة». وتشرح وسام، الطالبة في كلية أصول الدين في جامعة الأزهر: «في البداية تعبت جداً خلال التدريب، فالمسألة تتجاوز التركيز على حركات القدمين والرأس والعينين، إلى تحقيق التناغم في ما بينها». وتقول الفنانة أنغام محمد (24 عاماً): «في بداية التدريب، كان الدوران لمرة واحدة يصيبني بالدوار والإغماء، لكن مع استمرار التدريب والتركيز استطعت تأدية الرقصة، وكان ردّ فعل الجمهور مشجعاً جداً لي ولزميلاتي، والرقصة نفسها تشعرني بالانعتاق». وإذ يخبر عبدالرازق أن الفرقة حازت الجائزة الأولى في مهرجان ماليزيا الدولي للفنون الشعبية، لفت إلى أن العروض لاقت اهتماماً في فرنسا، كما زارت الفرقة حتى الآن الصين وبلجيكا.