عام 2011 هو عام «الكيل بمكيالين» وأحياناً ثلاثة قد تمتد إلى أربعة - وفق الظروف في ما يختص بالمرأة المصرية. فإن تحدثنا عن إسقاط النظام، هي شقيقة الرجال، لكن إن ناقشنا المرحلة الانتقالية، عليها أن تتنحى جانباً لأن هذه مرحلة «حساسة» ولا تتطلب سوى الرجال. وإن تناولنا التخبط الذكوري البحت بعد الثورة في إدارة المرحلة الانتقالية، فعليها أن تنتظر قليلاً حتى ننتهي من ذلك الوضع المعقد الذي لن يحله سوى الرجال. وإن قررنا تشكيل لجنة من الخبراء أو تعيين مجموعة من الحكماء، فإن على نون النسوة ألا تقترب من الباب لأن الخبرة والحكمة (على رغم تأنيث كليهما) صفتان «أصيلتان من صفات الرجال». وإذا بدأت الدعاية الانتخابية، فإن الوضع الاقتصادي المتأزم، والانشقاق الداخلي المتفجر، والموقف السياسي المترهل أسباب تتضاءل وتتقزم أمام قضية أهم وأفظع: نفرض الحجاب بقانون أم في الدستور؟ نعيد المرأة إلى البيت لإيقاف فتنة النساء في الشارع، أن نبقي عليها في مهن بعينها إلى أن يتمكن الرجال اقتصادياً؟ نمنع السائحات من ارتداء لباس البحر أم نمنع مجيئهن أصلاً؟ نبشّر المرأة بأنه ستكون هناك مشاريع وطنية عظيمة تمكّن الشباب من الزواج بأربع منهن لحل أزمة العنوسة (وربما علاج شره الرجال الجنسي) أم نبقي على مثل تلك المشاريع الجليلة مفاجأة للشعب الذي طال انتظاره للحرية والديموقراطية والمساواة؟ دعت إلى الثورة، ثم نزلت إلى الشارع، وأصرت على الاستمرار، ونجحت مناصفة مع الرجال في إسقاط النظام، ثم... ظهرت علامات الصمم والخرس والعمى في ما يختص بدورها في مرحلة البناء. عندما تصبح الثكلى ايقونة ليلى مرزوق وابنتها زهرة! وجهان نسائيان باتا «أشهر من نار على علم». فالسيدة مرزوق هي والدة «شهيد الشرطة» أو «شهيد الطوارئ» الذي كان ملقباً رسمياً ب «شهيد البنغو» خالد سعيد. وهو الشاب السكندري الذي لقي حتفه في صيف عام 2010 على أيدي مخبرين انهالا عليه ضرباً في الشارع، وبذلت محاولات لإلصاق التهمة بلفافة «بانغو» قالا إن الشهيد حاول ابتلاعها فمات مختنقاً. بزغ اسم هذه السيدة، ومعها ابنتها الشابة الجميلة «زهرة»، بعد أن رفضتا التهمة تماماً، وتضامنتا مع مجموعات الشباب التي ثارت لمقتله، تارة من خلال «فايسبوك» و»يوتيوب» وتارة أخرى من خلال التظاهرات التي لم تكن حينئذ أمراً معتاداً في شوارع مصر. وهكذا تحولت والدة خالد سعيد وابنتها «زهرة» إلى ما يشبه أيقونة من أيقونات تفجير الثورة وإبقائها مستمرة!. وفي حين لعبت صفحة «كلنا خالد سعيد» دوراً بارزاً في إشعال شرارة ثورة يناير الأولى، تحولت السيدة ليلى إلى عامل مشترك في غالبية الفعاليات الثورية الكبرى، فظهرت في ميدان التحرير تشجع الشباب وتشد من أزرهم. ولا يكاد يمر حدث جلل إلا وتستقل هذه السيدة قطار الإسكندرية - القاهرة لتقدم واجب عزاء في شاب دفع حياته في اشتباك هنا، وتدعم آخر فقد عينه في عنف هناك. هي الشابة المصرية المثيرة حالياً للكثير من الجدل، إحدى مؤسسات «حركة 6 أبريل» وصاحبة الفيديو الشهير الملقب «هانزل الشارع يوم 25 يناير»، وهو الفيديو الذي انتشر انتشار النار في الهشيم إذ دعت خلاله كل المصريين إلى النزول إلى الشارع يوم 25 كانون ثاني (يناير) الماضي وهو يوم عيد الشرطة بحثاً عن الكرامة والحقوق المفقودة. أعلنت عن ترشيح نفسها في الانتخابات البرلمانية عن دائرة مصر الجديدة، لكن بدا منذ اللحظات الأولى لقرار ترشحها انخفاض شعبيتها في شكل واضح، وبخاصة أمام المرشح (الفائز) الدكتور عمرو حمزاوي. وقوبلت محفوظ بكثير من التهكم والرفض، سواء على شبكة الإنترنت أم لدى ظهورها في مسيرات وتظاهرات، فالكثيرون يعتبرونها محرضة على استمرار التظاهرات وبث فتيل الفتنة بين الجيش والشعب. وعلى رغم ترشحها إلا أنها عادت وأعلنت عن عدم قبولها لإجراء الانتخابات في الوقت الذي مازال يسقط فيه الشهداء في كل المحافظات، وكتبت على «تويتر»: مش قادرة أتصور انتخابات ولسة الدم بيسيل في كل المحافظات مش بس التحرير». وبصرف النظر عن تفاوت مشاعر المصريين تجاهها في المرحلة الراهنة، إلا أن أحداً لا يمكن أن ينكر دورها في إشعال الثورة، حتى وإن كانت أصوات عدة حالياً تتهمها بمحاولة إشعال مصر برمتها. بنات الشوارع الكلام عن محاولات إشعال مصر، لا بد من أن يؤدي إلى الكلام عن «بنات الشوارع» اللواتي ظهرن بقوة في الأسابيع الأخيرة في عام 2011. هذه القنبلة التي لم تعد موقوتة، بل تحولت في أحداث شارع «الشيخ ريحان» وحريق المجمع العلمي إلى قنبلة منفجرة، تعود إلى ما يزيد على عقد ونصف. وتشير الأرقام إلى أن عدد أطفال الشوارع في مصر يترواح بين مليون ومليون ونصف المليون، وإلى أن نحو 30 في المئة منهم من الفتيات، بعضهن ينتمي إلى الجيل الثاني من أطفال الشوارع، أي أنهن ولدن ل «أمهات شوارع»، سواء نتيجة اغتصاب، أم علاقات غير شرعية. أولئك الفتيات - وأقرانهن من الفتيان - كانوا ضمن إنجازات النظام السابق الذي أنفق البلايين على مشاريع هدفها إما تقليص أعداد أطفال الشوارع، أو الحد من الظاهرة، أو تقديم خدمات لأولئك الموجودين والموجودات في الشارع، لكن يبدو أنها أخفقت. امرأة الى الرئاسة؟ قنبلة أخرى انفجرت خلال عام 2011، ولكنها لم تكن موقوتة، هي تفجير مفاجأة إعلان الإعلامية بثينة كامل ترشيح نفسها للرئاسة في مصر. هي الإعلامية الشهيرة القادمة من مبنى الإذاعة والتلفزيون الرسمي «ماسبيرو» رأساً إلى مجال المعارضة الصريحة والمباشرة. برنامجها الإذاعي «اعترافات ليلية» كان ضمن أولى البرامج الجريئة التي تخاطب المشكلات الشخصية من دون مواربة، وهو ما أدى إلى إيقافه. وفي عام 2005، حصلت على إجازة من دون مرتب من عملها الرسمي لعدم قدرتها على المشاركة في كذبة الانتخابات البرلمانية التي اعتراها التزوير. ومن داخل المبنى الرسمي العتيد إلى حركات معارضة بضراوة مثل «كفاية» و»مصريون ضد الفساد» وغيرهما حيث نشطت كامل في شكل لافت. وبالطبع فإن كامل كانت ضمن الثورة في التحرير، وتعود إليه مراراً وتكراراً من أجل استكمال الثورة حيناً، واعتراضاً على الانتهاكات والأخطاء المرتكبة في حق الثورة ونسائها أحياناً. العودة الأحدث لبثينة كامل - التي أعلنت عن ترشحها لمنصب رئيس الجمهورية - كانت قبل أيام في المسيرة النسائية الحاشدة المنددة بسحل الفتيات وتعرية إحداهن في شارع قصر العيني وذلك تحت اسم حملة «إحنا مش هنتعرى تاني». الفتاة المسحولة وهي الفتاة المتنقبة الشهيرة، «بطلة موقعة التعري»، في شارع قصر العيني ضمن الأحداث الدامية التي شهدتها مصر في الأيام القليلة الماضية. وبصرف النظر عن دور الفتاة في الاشتباكات أو حقيقة ما حدث وهل الثوار بادروا بالاعتداء على قوات الأمن أم العكس، فإن فكرة الاعتداء على الأنثى من خلال تعرية جسدها تؤكد أن العقلية الذكورية في إهانة المرأة مازالت تتمركز حول جسدها. فالتعري ذلّ ومهانة وجرح وهذا هو المدخل الأكيد لمعاقبة الأنثى، وإن كانت الفتاة المسحولة نالت قدراً لا يستهان به من المساواة، فقد تمت تعرّيتها وضُربت وسُحلت في الوقت نفسه. سوزان مبارك وعلى ذكر الهزيمة لابد من الإشارة إلى السيدة سوزان مبارك، قرينة الرئيس المصري السابق التي دخلت عام 2011 باعتبارها «سيدة مصر الأولى» و»راعية حقوق المرأة» و»المدافعة عن حقوق الأطفال» و»داعمة حق القراءة للجميع» و»محركة قوانين منع الإتجار في البشر» و»رئيسة المجلس القومي للمرأة» و»المجلس القومي للطفولة والأمومة» و»رئيسة مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية» و»رئيسة مجلس إدارة مؤسسة مستشفى سرطان الأطفال»... وتطول القائمة، لعل أبرزها أنها زوجة الرئيس المصري السابق حسني مبارك، ووالدة السيدين علاء وجمال مبارك الموجودين حالياً في سجن طرة، والضالعة في خطة توريث الحكم من زوجها للأخير، وهي الخطة التي ينسب إليها الفضل الأكبر في تفجير ثورة يناير عام 2011 لتخرج مصر إلى عام 2012 ب «نيو لوك» مختلف تماماً، وإن كانت ملامحه النهائية في طور التكوين.