إذا كانت السياسة فن الممكن لدى عموم السياسيين في العالم وعلى امتداد عمر البشرية، إلا أنها لدى الغرب عموماً والأميركيين على وجه الخصوص فن الكذب، فالذي يوجه السياسة الأميركية هو جهاز الاستخبارات، سواء الاستخبارات الفيديرالية أو الاستخبارات الخارجية، فانظروا ما فعلت لتوجيه كولن باول في مجلس الأمن حول أسلحة العراق، وانظروا ماذا صنعت تقاريرها لدى بوش لتزيين الأمر له لاحتلال العراق، وهذا غيض من فيض، والاستخبارات أينما وجدت هي مستودع الكذب وصانعته، وتعلم أتباعها على ممارسته، وتعمل على توجيه القادة وصانعي الرأي، فكثيرون من الحكام غير الواثقين من أنفسهم، يعمدون إلى تعزيز دور الأجهزة الاستخباراتية في التدخل في صناعة قراراتهم. هذا لا يعني أن ساسة أميركا لا يعلمون مدى مصداقية تقارير استخباراتهم، فهم على يقين من فبركات الاستخبارات، لأنها تحقق لهم ما يطمحون للوصول إليه، وانظروا إلى المتسابقين في الماراثون الانتخابي الرئاسي الذي يجرى كل أربع سنوات، وما يكيله هؤلاء للناخبين من وعود كاذبة من أجل الوصول إلى البيت الأبيض، حتى أن الناخبين أنفسهم باتوا لا يثقون بما يقوله ساستهم، ويبدو ذلك في نسب الذين يمارسون حقهم الانتخابي إذ أنها في تناقص مستمر. السياسة الأميركية مبنية على الكذب الذي يسوقه الإعلام الأميركي نفسه، فكم من أكاذيب سمعناها ونسمعها عن العراق قبل الغزو والاحتلال، وكم هي أكاذيبهم في تزيين فترة غزوهم واحتلالهم، فهم لا يخجلون من لوي عنق الحقيقة، ولا يأبهون من معرفة الناس بحجم الادعاءات الفارغة التي يدعونها، وإذا أردنا أن نكشف مدى عدم مصداقية أي أمر ما أو قضية ما، فلنفتش عما يسوقه الإعلام الأميركي، وما يتفوه به ساسة أميركا، لأنهم على الدوام يمارسون الكذب حتى على شعوبهم وعلى أنفسهم، على رغم أن القضاء الأميركي يتشدد في شهادات الكذب أمام القضاء. ساسة أميركا الذين يبنون أعمالهم واتخاذ قراراتهم على حجم الكذب الذي يسوقونه لا يخجلون من انكشاف أمرهم أمام الآخرين، فالإعلام الأميركي اليوم في ظل الانتفاضات العربية يوجهون سهامهم في ما يريدون أن يحققوه، فإن كانوا ضد سورية فالإعلام يصور مجريات الأحداث في القطر السوري، بأن الثورة في شوارع المدن السورية مشتعلة نيرانها، وأن أي محاولة لإخماد هذه النيران لن تكون إلا برحيل النظام، لأن المواطن السوري بات لا يطيق النظام، أما إذا كانت توجهاتهم مع سورية فهم يتجاهلون مجريات الأحداث، ويصمتون صمت ساكني القبور في إعلامهم. الأميركيون أينما حلوا كساسة يمارسون الكذب في السلم وفي الحرب، لأنهم يصنعون الكذب ويصدقونه، وهم على يقين بأنه كذب، ولكنه يحقق أهدافهم، وما يسعون إليه من طموحات سياسية، والاستخبارات عقولهم المدبرة والإعلام وسيلتهم، فحذار حذار من أكاذيبهم وما يرد إلينا في إعلامهم في ما يتعلق بشؤون بلادنا، لأنهم لا يؤمنون بما هو صدق، ولا يقبلون أن تكون الأمانة لا في القول ولا في العمل ديدنهم، لأن معاييرهم لا أخلاقية، بل هي معايير المنفعة والمصلحة التي تحقق رغباتهم.