يشكِّل انشاء الحكومة الكويتية «الجهاز المركزي لمعالجة اوضاع المقيمين بصورة غير قانونية» - ويُقصد بهم «البدون» - في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010، منعطفاً مهماً في هذا الملف القديم المتجدد، خصوصاً مع اختيار النائب السابق صالح الفضالة مسؤولاً عن هذا الجهاز، وهو المعروف بتبنيه ضوابط متشددة في شأن منح الجنسية الكويتية، في وقت يضغط نواب في مجلس الامة (البرلمان) من أجل حل هذا الملف لدواعٍ انسانية وسياسية معاً. وكانت الحكومة التي تراخت في حل هذه القضية منذ الستينات أودعت هذا الملف لدى «اللجنة التنفيذية» في وزارة الداخلية عام 1993، وقطعت اللجنة شوطاً في المعالجة بعدما قسَّمت «البدون» على اساس الاحصاء السكاني لعام 1965 فئتين، فمنحت الجنسية لبضعة آلاف من الداخلين في ذلك الاحصاء، لكن الملف كان من الضخامة بحيث تعذّر تحقيق حل شامل لهذه الفئة التي تقدر الحكومة عدد أفرادها عام 2010 بمئة وخمسة آلاف شخص يُعتقد ان 35 ألفاً منهم فقط داخلون ضمن الاحصاء المذكور. في مطلع السنة الحالية، كلفت الحكومة المجلس الاعلى للتخطيط درس هذا الملف وتقديم تقرير شامل حوله، وانجزت لجنة خاصة التقرير وعرضته على مجلس الوزراء في 4 تشرين الأول (اكتوبر)، وقال عضو في اللجنة لم يرغب في نشر اسمه ل «الحياة»، إن التقرير «راعى الجوانب السياسية الأمنية والنواحي الانسانية في هذه القضية»، وانه اوصى ب «تقديم الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها لجميع أعضاء هذه الفئة مهما يكن وضعهم قابلاً للتجنيس من عدمه»، وهو ما يخالف الوضع الحالي، اذ لا تقدم الحكومة هذه الخدمات مجاناً للبدون، بسبب وضعهم غير القانوني، كذلك سيرفع الحظر على منحهم شهادات زواج وشهادات ميلاد كويتية لأطفالهم. وتابع ان «اللجنة اعتمدت احصاء 1965 أساساً، «فمن هو داخل في هذا الاحصاء يكون مرشحاً للحصول على الجنسية الكويتية بشروط، منها ألا يكون عليه تحفظ أمني، وألا يثبت انتماؤه لبلد آخر، مع إعطاء أولوية لمن لهم أقرباء كويتيون أو من لهم خدمة عسكرية متميزة»، وأشار الى ان القرار النهائي بمنح الجنسية «هو في يد الحكومة، لأنه قرار سيادي». أما غير الداخلين ضمن الاحصاء، فأوصى التقرير بتشجيعهم على ابراز هوياتهم الاصلية، مع وعد بعدم مسائلتهم قانونياً على اخفائها، وتقديم حوافز، مثل منحهم اقامة دائمة واولوية في الوظائف الحكومية مقارنة بباقي الوافدين. ويأمل التقرير في ان مشكلة البدون «ممكن حلها نهائياً خلال خمس سنوات» اذا طبقت توصيات اللجنة، وأوصى التقرير بانشاء «الجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية» ليتولى هذا الملف بكامله، ويكون تابعاً مباشرة لمجلس الوزراء، وقد أصدر مجلس الوزراء مرسوماً بإنشاء هذا الجهاز في 8 تشرين الثاني، وكلف النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الشيخ جابر المبارك الصباح رئاسته، واختير النائب السابق صالح الفضالة نائباً له، وكان الفضالة أساساً رئيساً للجنة التي أعدّت التقرير. ووفقاً لعضو في اللجنة، فان التقارير الأمنية تشير الى ان 40 في المئة من «البدون» هم من أصول عراقية، وان نسبة أخرى مهمة منهم من أصول سورية، خصوصاً سكان وادي الفرات، ويأتي بعدهم من هم من أصول خليجية، وهناك نحو ألفين يعتقد بأنهم من أصول ايرانية. وتنتسب أكثرية من البدون، طبقاً لأسمائهم، الى قبيلتي «عنزة» و«شمر» العربيتين المعروفتين، لكن هناك اعتقاداً سائداً في الكويت بأن كثيرين من هؤلاء ليسوا من صرحاء القبيلتين، بل انتسبوا اليهما بعد دخولهم الكويت ليجعلوا من أنفسهم أكثر انسجاماً مع النسيج الاجتماعي الخليجي. وصرح صالح الفضالة بعد تكليفه ادارة الجهاز بأنه «لن يتم التعامل مع الأفراد الذين يحملون اي وثائق تتعلق بدول أخرى»، مشيراً الى ان الدراسة التي اعدّها المجلس الأعلى للتخطيط حول «البدون» سوف «يتم العمل بها من دون الحاجة الى اصدار أي تشريع، اذ انها تعتمد على كل القوانين المتعلقة بالجنسية»، واعرب عن تفاؤله بحسم ملف البدون خلال خمس سنوات». لكن هذا التفاؤل قد يكون مبكراً، فالموضوع لم يكن فقط مشكلة قانونية او تتعلق بقضايا ضبط الهجرة في بلد يمثل المواطنون فيه أقل من 30 في المئة من سكانه، وسط بحر من الوافدين «الشرعيين»، عدا غير الشرعيين، أي البدون، بل في الملف تعقيدات أخرى اعاقت حله في الماضي وقد تؤخر حله في المستقبل، وأهمها أن القرار السياسي الكويتي بطبيعته بطيء ومتردد ويفضل ترك المشاكل للزمن بدلاً من بتها بقرارات حاسمة. وكانت مشكلة البدون نشأت في الستينات بعد العمل بقانون الجنسية لعام 1959، اذ صارت الإمارة بعد تحولها دولة مستقلة جاذبة للهجرة، خصوصاً مع تقديمها مزايا مالية وخدمية كبيرة للمواطنين، وبدأت هجرة غير شرعية لها من دول الجوار، لا سيما العراق، اذ يعبر المتسللون ويتخلصون من هوياتهم الاصلية او يخفونها مدعين انهم كويتيون، وما ساعد على ذلك توسع الجيش الكويتي وسلك الشرطة في قبول البدون في صفوفهما، لتعزيز عدد الجنود، خصوصاً من ذوي الرتب المنخفضة. وبحسب تقارير حكومية أعدت عام 1989، أي قبيل الغزو العراقي للكويت، فإن عدد البدون بلغ 256 ألفاً، وهو ما يوازي وقتها 40 في المئة من العدد الإجمالي للكويتيين، ثم تراجع العدد بعد تحرير الكويت من الاحتلال عام 1991 الى 110 آلاف، اذ عادت غالبية من البدون الى مواطنها الأصلية في العراق، وحفّزت أحداث الغزو على مزيد من التشدد في مسألة البدون، بعدما تردّد ان آلافاً منهم انضموا الى الجيش الشعبي العراقي ابان الاحتلال وسُجلت بحقهم «تحفظات أمنية» صارت حاجزاً دون قبول طلباتهم للتجنيس. لكن مع مرور السنوات أصبح موقف الحكومة الكويتية أقل تشدداً، وبينت توجهات مجلس الامة ان النواب من الحضر السُّنّة (حالياً 16 من اصل 50) هم الأكثر تحفظاً عن تجنيس البدون، بينما يتعاطف عدد أكبر من نواب القبائل ( 24 من 50) مع الملف عموماً، ويتحمس للبدون بشكل خاص النواب الشيعة ( 9 من 50)، ما يعزز اعتقاداً بأن نسبة مهمة من البدون من الأصول العراقية والايرانية هم من الشيعة. ويرى ناشطون في المعارضة ان الحكومة مالت خلال الدفعات التي جرى تجنيسها من البدون في السنوات الماضية الى ارضاء ودعم النواب المحسوبين عليها، خصوصاً بعض القبليين والشيعة بتجنيس المحسوبين عليهم من البدون، وقد ساعدت مشاركة المرأة في الانتخابات منذ 2008 في تعزيز هذا التوجه، لأن آلافاً من الكويتييات متزوجات من اقرباء لهن من البدون، ما وجّه اصواتهن لخدمة المرشح والنائب الداعم لتجنيس ازواجهن. وعادة لا يطرح مؤيدو تجنيس البدون مطالبهم بشكل صريح بل يتبنون الجوانب الانسانية للقضية، مثل حرمان افراد البدون من حقوق أساسية، مثل توثيق عقود الزواج والمواليد وكذلك الخدمات الاساسية، وقد انشأ ناشطون من البدون مراكز لهم في الخارج واتصلوا بجهات وهيئات انسانية دولية لعرض معاناتهم، كما نظموا، بدعم نواب ونشطاء كويتيين، ندوات في الكويت لهذا الغرض، لذا فان الحل المقترح الآن لهذا الملف يرمي الى الفصل بين ما هو «انساني» وما هو «سيادي»، فهو يعرض توفير الجوانب الانسانية والخدمية للبدون كافة اسوة بالوافدين، لكنه يبقي قرار منح الجنسية خاضعاً بالكامل للسيادة الكويتية. ومن المتوقع ان يخفف تشكيل «الجهاز المركزي» من ضغوط النواب في قضية البدون لبعض الوقت، لكن ما لم يحقق هذا الجهاز تقدماً عاجلاً في حسم هذا الملف، وهو أمر مشكوك فيه، فانه سيتعرض للنقد والهجوم من النواب، خصوصاً أن اجواء الحكومة لا تشير الى حماس في مجال التجنيس، بل ان بعض أعضائها بدأ يثير شكوكاً في صحة حصول مواطنين كويتيين على الجنسية، على اساس ان القانون يمنع ازدواج الجنسية الكويتية مع جنسيات أخرى. ومما عزَّز هذه الاجواء صدور مرسوم قبل أيام قليلة قضى بسحب جنسية 63 كويتياً - بعضهم حصل عليها منذ الستينات - بسبب وجود معلومات عن احتفاظهم بجنسيات أخرى.