في مسألة اختلاس بالمدينة المنورة بلغ مقداره 400 مليون ريال سعودي، وعبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» علق أحد القراء على الموضوع قائلاً «إن اختلاس ال «400 مليون» عنده أهون من كشف المرأة لوجهها!»، انظروا إلى أي مدى وصل التطرف ضد المرأة من ذوي العقول، لا أقول المتطرفة فحسب بل المضللة، ليصبح الحرام هيناً، والحلال مغلظاً، بل ولا أستبعد من وجهة نظر كهذه أن يصبح القتل في زمرة الحلال، مادام لدينا مثل هذه العقول التي تبيح أكل الأموال المحرمة شرعاً وقانوناً، وتحرم كشف وجه المرأة المباح شرعاً، إذ لم يرد في تحريمه نص، ولم نجد له في ديننا كفراً، عدا اجتهاد بعض العلماء الذين اختلفوا في ذلك غير قاطعين بفرضه، وغير ملزمين الناس برأيهم. الله سبحانه وتعالى لو فرض على النساء تغطية وجوههن لأنزل بذلك نصاً صريحاً وواضحاً لا يحتمل اللبس ولا التأويل، والوجه هوية الإنسان، سواء كان رجلاً أو امرأة، وإلا فكيف يكون التمايز بين الناس والتفريق بينهم؟ إن هذا اللغط العقيم في هذه المسألة لهو العجب العجاب في زمن تغتصب فيه الحقوق، وتمتهن الكرامة، وتسلب فيه الأموال الخاصة والعامة في وضح النهار، ليأتي من يبرر الحرام برأيه الفاسد، ويفتح أبواباً ينفذ من خلالها المختلسون، واللصوص، والمجرمون، والمستهترون بقوانين الدين، والحياة، وحقوق الناس وحرماتهم، فإذا كان الله سبحانه وتعالى لا يغفر للمقترضين من الشهداء والموتى إذا ماتوا ولم يسددوا ديونهم، فكيف بمن ينهب الناس ويستولي على الأمانات، ويسرق المواطنين، ويعتدي على حقوق الآخرين؟ من المستفيد من هذا التساهل في المحرمات سوى أصحاب العقول الهادفة إلى تضليل المجتمع، والقفز على التشريعات، والتحريض على الفساد. وفرض الوصاية على كل النساء لمجرد الأفكار الشخصية الخارجة عن مبادئ الدين. يقول الخبر، الذي أوردته إحدى صحفنا المحلية، أن أحد القضاة تعاطف مع إحدى السيدات الذي رفع والدها دعوى قضائية ضدها لرفضها السكن معه، وتريث في إصدار الحكم عليها، وعلى فكرة هذه السيدة ليست في سن ال «15» من عمرها أو في سن ال «20»، بل هي في العقد الرابع من عمرها ومطلقة ولديها ولد، يعني في سن ال40، وعلى فكرة هي طبيبة، يعني تتقاضى راتباً محترماً، أما سبب رفضها السكن مع أبيها فهي تريد أن تبقى ترعى والدتها المسنة الذي طلقها الوالد المحترم وهي لا تزال في بطنها، ولم يسأل عنها، ولم يرعها، ولم ينفق عليها، أما الآن وقد أصبحت موظفة وذات مال فلماذا يحرم نفسه منها، خصوصاً ومشاعر الأبوة بدأت تتدفق في قلبه بعد 40 عاماً! ولماذا لا يحرم الأم التي ضحت وتعبت عليها؟ وعلى فكرة: الوالد متزوج من ثلاث نساء، وعنده دستة من البنين والبنات، وفرصة لتتحمل هذه البنت كل أعبائه المالية، مع أنها لم تجحد أبوته، ووجوب بره، إلا أن رعاية أمها أهم. ولكن لماذا التريث والمسألة واضحة لا تحتاج إلى تفكير، من حقها أن تعيش مع أمها وترعاها، فهي التي رعتها، ومن حقها السكن حتى وحدها مع ولدها، فهي امرأة بالغة عاقلة، كما يقول الإسلام، ولها كامل الحرية في مسألة حياتها، وليس من حق هذا الوالد، الذي تخلى عنها وهي في أمس الحاجة لرعايته، أن يفرض عليها وصايته الآن ويستولي على دخلها وكدها طول حياتها، أفلا نحتكم إلى المعاملة بالمثل، وهي عدل في شرع الإسلام، فالمسألة اجتهادية. [email protected] twitter | @zainabghasib