اختلفت الآراء القانونية والشرعية وآراء المسؤولين حول من يتحمل المسؤولية القانونية في حادثة حريق مجمع مدارس «براعم الوطن» في محافظة جدة والذي أدى إلى وفاة ثلاث معلمات وإصابة 56 طالبة ومعلمة، فضاع بذلك «إثمه». إذ يرى البعض ضرورة عدم الحكم على تحقيقات أولية، فيما يرى البعض الآخر أنه يجب أن تكون التحقيقات أشمل للموجودين كافة في المدرسة من مسؤولين وغيرهم، أسوة بما حدث في قضية حادثة طالبات جامعة حائل والتي أحيلت إلى هيئة الرقابة والتحقيق لفتح تحقيق في ما يتعلق بالقصور على الطريق والحفر والتشققات، وتحديد مسؤولية الجهات الحكومية ذات العلاقة، في حين يرى البعض أن ما حدث لا يصل إلى حد الجريمة. في المقابل يطالب قانونيون بعدم استباق الأحداث وافتراض المتسبب ومن يتحمل المسؤولية تجاه الحادثة قبل إكمال التحقيقات من جانب هيئة التحقيق والادعاء العام وإحالتها إلى القضاء. وأكدوا أن الفقهاء أجمعوا على أن الصبي الذي لم يبلغ سن الرشد لا مسؤولية جنائية عليه، أي أن الشريعة تعفي الصبيان القاصرين من المسؤولية الجنائية فأهليتهم غير كاملة، إذ إن الأحداث صغار السن لهم أحكام خاصة منصوص عليها في الشريعة الإسلامية. وقال المحامي والمستشار القانوني عبد العزيز بن عبد الله الزامل ل «الحياة»: «المسؤولية الجنائية لمثل هذه الحوادث تقع على المباشر للحادثة ولكن يشترط توافر القصد الجنائي». وأضاف: «لا شك أن جهات التحقيق والمحاكم تستعين بتقارير الدفاع المدني حول ملابسات الحادث وهل أدى فعل المتهمين المادي إلى القتل عن قصد أو من دون قصد، مما يحقق مدى عمدية هذا الفعل أو خطئه، وتبني المحكمة حكمها على الإدانة بالفعل بعد التحقق من توافر أركان الجريمة الثلاثة: الشرعي والمادي والمعنوي، ونشير في هذا الصدد إلى أنه يجب على جهاز الدفاع المدني أن يحتاط لمعالجة نشوب أي حريق خصوصاً في الأماكن العامة». أما بخصوص الذين تسببوا في ذلك الحريق فرأى الزامل أن تطبق إجراءات نظامية ضدهم، بإيقاف المتهمات من الفتيات في مؤسسة رعاية الفتيات التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، أما الأحداث من الفتيان سيتم توقيفهم في دار الملاحظة الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية. وعادة ما تحتوي هذه الدور على إرشاد ودراسات الحالات الاجتماعية والنفسية لنزلائها مما يساعد القضاء عند تقدير العقوبة، ولكل من الدار والمؤسسة تنظيمها الخاص. ويتم التحقيق مع المهتمين وفقاً لأنظمة خاصة بمحاكمتهم بحسب نص المادة 13 من نظام الإجراءات الجزائية، ويتم التحقيق مع الأحداث والفتيات ومحاكمتهم وفقاً للأنظمة واللوائح المنظمة لذلك». وحول محاكمة الدعاوى العامة المقامة عليهم من المدعي العام، أوضح الزامل: «يحدد اختصاصها طلب المدعي العام فإن طلب معاقبة المتهم من دون إتلاف فإن المحاكم الجزئية تختص بها تعزيراً، وإن طلب المدعي العام معاقبتهم بالإتلاف كالقتل أو القطع فتختص بها المحاكم العامة، أما في الحق الخاص فإن طلب أصحاب الحق الخاص القصاص فيحال المتهم للمحاكم العامة أمام دائرة مكونة من ثلاثة قضاة بحسب نص المادة 129 من نظام الإجراءات الجزائية التي تتضمن «تختص المحكمة العامة بالفصل في القضايا التي تخرج عن اختصاص المحكمة الجزئية». ويتحدث المحامي احمد السديري ل «الحياة» عن مسؤولية القاصرات اللائي اتهمن بإشعال الحريق بقوله: «لا مجال للقول بأن هناك جريمة قتل، فما أتين به تلك الصغيرات هو محض عبث نجم عنه اندلاع حريق، ويلاحظ أن البنات اللائي أقدمن على ذاك الفعل لم يبلغن سن الرشد، وأجمع الفقهاء على أن الصبي الذي لم يبلغ سن الرشد لا مسؤولية جنائية عليه، أي أن الشريعة تعفي الصبيان القاصرين من المسؤولية الجنائية فأهليتهم غير كاملة لقوله عليه السلام يرفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحلم والنائم حتى يصحو وعن المجنون حتى يفيق، وكل هذا يعني أن التمييز وحرية الاختيار هي مناط المسئولية الجنائية». وتابع: «يعني هذا أن لا قصاص إذا ما أورث فعل هؤلاء الفتيات إزهاقاً لأرواح أو خلافه، والواقع وطبقاً لما تداوله الناس من أخبار، فإن الطالبات كن يعبثن في قبو المدرسة فأدى ذلك العبث إلى إشعال حريق وما فعلنه من عبث لا يمكن القول بأنه جريمة ثم حتى لو فرضنا جدلاً أن ما فعلنه أدى إلى هلاك مدرستين أو ثلاث إلا أنه فقهياً يفسر بأنه ضرب من ضروب القتل بالخطأ، والخطأ في القتل يعد من موانع القصاص لأن الجريمة العمد لها ثلاثة أركان الأول «الركن الشرعي» أي النص الذي يحرم الفعل. ثانياً «الركن المادي» أي الفعل وهذا الأخير يلزم فيه توافر شروط ثلاث وهي فعل ونتيجة وعلاقة سببية بين الفعل والنتيجة، و «الركن المعنوي» ويتمثل في اتجاه إرادة الفعل ومع علمه بأن فعله سيؤدي إلى النتيجة المبتغاة وهي إزهاق روح المجني عليه، وعليه فإنه إذا غاب ركن من هذه الأركان فلا يكون هناك جريمة عمد». واعتبر أن ما هو ظاهر الآن هو أن «عبث تلك الفتيات لم يكن فيه قصد لقتل أحد، إذ لم يدر بخلدهن أن ما سيفعلنه سيورث حريقاً يورد آخرين موارد الموت، لذا فإن الركن المعنوي قد انهار وإذا كان هناك من يقول بأن ما فعلنه تلك الفتيات هو قتل بالخطأ فإنه هذا ينأى بهن عن نعتهن بأنهن قاتلات بالعمد وإذا عرفنا أنهن قاصرات فإنهن أيضاً لا يسألن مسؤولية مباشرة عن التعويض بل أولياء أمورهن هم الغارمون له، والتعويض هنا لا يقتصر على من وورين الثرى بل يشمل أيضاً المضرة التي أوقعها الحريق ببناء المدرسة». وأشار إلى أن «ما لا يغيب ذكره في نهاية هذا هو أن ما أتت به الفتيات لا يعد إثماً بحال، لأن الإثم فكرة أخلاقية، وهو معيار الخطأ الذي يورث لوماً، وهو كذلك فكرة نفسية لما يشيعه من خطأ في ضمير آثم، من اختلال لهدوئه النفسي وهذا بدوره ناءٍ عما أتين به هؤلاء الفتيات». فيما طالب المستشار القانوني محمد المؤنس بعدم استباق الأحداث والتسرع في إدانة أي طرف أو جهة، قبل إكمال جميع ملابسات القضية من جانب هيئة التحقيق والادعاء العام ومن ثم إحالتها إلى القضاء الشرعي. وأضاف: «تقع المسؤولية على (الإهمال)، إذ توجد العديد من التساؤلات، حول من قاموا بإشعال النار على سبيل العبث الطفولي أم في حصة نشاط لهن أم في حفلة بإذن الإدارة أم بالخطأ أم بقصد الحريق»، مؤكداً أن كل هذه الاحتمالات لابد من درسها ومعرفة دور منسوبات المدرسة في متابعتهن ومراقبتهن، إضافة إلى البحث في دور المالك في توفير وسائل السلامة، وعن مسألة الجهة الملزمة بالتعويض للمتوفيات والمتضررات في حالة ثبوت ضلوع الطالبات بإشعال الحريق». ولفت إلى أنه يجب الرجوع لتقدير القضاء ونسبة الخطأ على كل طرف سواء في موضوع الدية للمتوفيات أم الإرش للمصابات أم التعويض للمتضررات. الأبادي: يمكن الاقتصاص من الجاني إذا كان عمره 15 سنة !