فاطمة... إنسانة من لحم ودم، شهد جسدها ألواناً وأطيافاً من العنف بكل وحشية... امرأة تبلغ من العمر 35 عاماً، لها صغيرتان، وتحمل داخل أحشائها روحاً أخرى نتيجة زواج دام 12 عاماً، حرمها من حقها في التعليم، والعمل، وزيارات الأهل، هي نموذج في مجتمع يدعي بأن المرأة فيه مكرمة ومحمية بسلطة ما يُسمى بولي أمرها، بينما تعاني من مختلف أنواع الإيذاء من وحي عادات وتقاليد مخبأة تحت عباءة الشرع، تسلبها حقها في أن تعيش بكرامة وأمان، نطق جسدها قبل أن تهمس شفتاها عن تجربة مريرة مع الوجع والإهانة. تعرضت إلى ضرب مبرح بآلة حديدية على يد زوجها لأكثر من عشر ساعات في مناطق متفرقة من الجسد، مستخدماً «المفك» تارة، وكفيه تارة أخرى، محاولاً سحق رأسها بينهما بعد تجريدها من ملابسها لتشعر أكثر بالألم، لا هاتف تستنجد به، ولا باب تخرج منه، حتى غط في نوم مكنها من الفرار والوصول إلى المستشفى لتحصل على تقرير يُمكنها من الطلاق، كونه الاعتداء الثالث في أربعة أعوام. في الاعتداء الأول أصيبت بكدمات في الوجه والجبين والفخذ ورضوض في البطن، واحتاجت إلى ثلاثة أسابيع من العلاج، كما جاء في تقرير طبي، وبينما كانت ترقد على سرير المستشفى حبيسة الألم والأذى، كان هو يهنأ بالراحة في منزله، بل طُلب منها التنازل في مقابل الطلاق، وقبل انقضاء «العدة» عادت زوجةً له بعد صلح تم بين الزوج والأب، تعهد فيه الزوج بأنه سيعاملها كما أمر الله، وألا يتعرض لها بالضرب أو خلافه إلا «ما شرع الإسلام»! عادت لرعاية بناتها، ولم تعلم أنها أعطته رخصة جديدة للإيذاء، وهذا ما حدث من تسعة أشهر فتقدمت بدعوى طلاق بموجب تقارير طبية، وفي المحكمة لُوَح لها بورقة الحضانة وجرى إقناعها أن ما حدث يُعد خلافاً زوجياً بسيطاً لا يستحق خراب البيوت، فتعود فاطمة، ويحصل الزوج على رخصة اعتدائه الأخير! لماذا ضربها؟ لماذا نُشرت صورها؟ أصوات تتساءل عن السبب، وأخرى تندد بظهور الصور. فآثار التعذيب لم تروع البعض بقدر ما استفزتهم الصور في وقت كان ينبغي أن تكون تفاصيل كهذه ليست محل نقاش، ولكن تأتي هذه التساؤلات كنتاج طبيعي لثقافة لا ترى في المرأة إلا العورة، بل تابعة مسخرة لتلبية حاجات الرجل الفطرية والغريزية، وله الوصاية الكاملة عليها وتأديبها من خلال التقاليد السائدة والأنظمة المعمول بها، ويظهر هذا في قضية فاطمة كقبولها بعلاقة زوجية يغلفها العنف لتحتفظ بحضانة بناتها، يظهر في غياب توقيعها على إقرار إرجاع زوجها لها، وعلى إقرار الصلح والتعهد الذي تم بين الأب والزوج، كما يظهر بوضوح في عدم تطبيق عقوبات على الزوج بعد اعتدائه الأول وضياع الحق العام! ومادامت تغيب العقوبات وقوانين للأحوال الشخصية، ومادامت بقيت سلطة ولي الأمر مقدسة، وغاب تطبيق المعاهدات الدولية، سيبقى العنف ينتهك النساء، ولن يبقى لفاطمة إلا خوض المعركة الحقوقية بكل عقباتها، والمشاركة في رسم مستقبل أكثر إنسانية، أو التنازل عن الحق الخاص في مقابل الفوز بصفقة طلاق وحضانة، فتتحول القصة إلى رقم في إحصاء عدد المُعنفات، أو الاستسلام والعودة إلى زواج قد تكتب فيه شهادة وفاتها بيدها! [email protected] twitter | @DaliaGazzaz