يلتصق بجلدي «49» بصمة للطب الشعبي، تَشارك في إحلالها رجال ونساء، بعضهم كان يبحث فقط عن مكان شاغر ليوظف «مسماراً» يمارس انتقاماً من العنصر البشري، لأنهم انتزعوه من تراب وطنه، وأعادوا تشكيله بالنار والمطارق. قال والدي - غفر الله له - ذات سؤال عن كثرة «الكويات» مبرراً: «احمد ربك، على الأقل لم يكُ بينها خطأ طبي واحد»، موضحاً أن عهد الستينات الميلادية مكتظ بأطباء شعبيين يستقبلون مرضاهم من دون موعد مسبق، أو يسافرون بين القرى تطوعاً وزكاة للوقت والمعرفة. يعشق البدو ممارسة «الكي» بالنار، فإذا ملوا من البشر ذهبوا به إلى أقرب «بعير» يضعون على وجه أو بقية جسده علامة يسمونها «وشم» يصبح رمزاً، «باركود» يحدد هوية قبيلة مالكه، ويحميه من السرقة، لذلك كانت عملية اختطافي بعد إتحافي بسلسلة من «الباركود» جداً صعبة. وصل بنا القرن ال20 إلى أطباء لا يزكون الوقت أو المعرفة، ورقم قياسي في الأخطاء الطبية، حالات خطف أطفال، وكذلك توزيع بعض «الخدّج» على غير أمهاتهم بطريقة «عد للعشرة»، بينما «البعير» تحول من حمال إلى آلة غسيل أموال تصل قيمة صفقاتها إلى عشرات الملايين من الريالات، كذلك إشارة إلى نمو معيشي تجاوز الأنام وأصاب الأنعام، لدرجة أصبح فيها مسابقات جمال «للتيوس والبعارين». رفض والدي وصف تكاثر «الكويات» على جسدي بأنها نوع من التعنيف الأسري ضد طفل، ثم أحالني لفتاوى شرعية تنتشر في العراق وإيران تنادي بممارسة الجنس مع أطفال تحت عنوان «المتعة بتفخيذ الصغار والرضع»، أتذكر حينها قلت «النار أرحم». ساورني بعد بلوغي ال «40» البحث عن سجلي الطبي من خلال مقارنة موقع «الكوية» بمرضها، ثم بعد الاستعانة بكتب و«انترنت»، تمتمت بسؤال «كيف عشت؟»، فانتشارها من قمة رأسي إلى أصابع قدمي يؤكد أن قبيلة من الأمراض كانت تستوطنني، أو أنها رموز سحرية ستمكنني من العثور على كنز مدفون مرصود باسمي، وهي فرضية يكفيني لاعتناقها وجود كهل أفريقي يحمل بيده «مسبحة» طويلة. توارثت وزارات الصحة في بلادي مشروع إبادة عنصرية ضد طب الكي بالنار، مات موروث طبي كبير، لم يعد موجوداً إلا في وثائق أمنية تحت مسمى علامة فارقة، وملفات عيادات تجميل تزيل من وجوه وأعناق الأثرياء بقايا التاريخ الفقير. ذهبت الأيام بعتيق ثيابي، والثروات بقديم أصحابي، بينما «كوياتي» واعدة بوفاء إلى القبر، وتنبيه بأن أبي وأمي تركا على جسدي بطاقات تذكير بالدعاء لهما كل مساء، عندما تشاركني المرايا هواية البحث عن «الكوية» المفقودة صاحبة الرقم «50». [email protected] twitter | @jeddah9000