تشهد سورية تطورات متسارعة بعد ثمانية اشهر ونصف شهر من الاحتجاجات التي عمت مناطقها. وتؤثر التطورات هذه في أحوال العالم العربي ومواقف الدول الغربية. ويدعو إلى الأسف أن الحكومة السورية لم تحمل الاعتراضات الدولية على محمل الجد، ولم تستفد من الفرص التي قدمتها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. ولا يجوز الاستخفاف بتقويم مستقبل الحوادث في سورية. وأثار تصريح برهان غليون، رئيس المجلس الوطني السوري، عدداً من الأسئلة. فهو أعلن أن سورية الجديدة ستعيد النظر في علاقاتها بإيران و «حزب الله»، وشرّع مستقبل العلاقة الإيرانية - السورية على الاحتمالات. وتستند السياسة الخارجية لإيران في علاقاتها مع دول المنطقة إلى ثلاثة مبادئ: حفظ المصالح الوطنية، وتعزيز الصدقية الإيرانية في أوساط دول المنطقة وشعوبها، والدفاع عن شعوب المنطقة. والمبادئ هذه ينص عليها الدستور. ولا شك في أن إيران «حساسة» تجاه التطورات في سورية نتيجة العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تربط البلدين. ولكن هل المصالح الإيرانية تُحفَظ من طريق تجاهل مطالب الشعب؟ وهل الثوابت التي بنيت عليها السياسة الإيرانية تنسجم مع العنف الذي يمارسه النظام السوري على شعبه؟ إن قلق إيران علي مصالحها في سورية في محله. ويفاقم كلام برهان غليون القلق هذا، وحريّ بإيران أن تنظر إلى المستقبل بناء علي الثوابت، ومن طريق رصد الحوادث رصداً دقيقاً، وانتهاج سياسة خارجية فعالة، في وقت يبرز تراجع الدور الإيراني قياساً إلى الدور التركي. فأنقرة بسطت نفوذها على عدد من الجبهات المرتبطة بالشأن السوري، وقوّضت دور إيران في الإشراف المباشر والدقيق علي تطور الحوادث في سورية. كان حرياً بإيران الدفاع عن المظلومين من الشعب السوري الذي تعرض للعنف، والوقوف مع الدول الأخرى الإسلامية لوضع حد لهذا العنف غير المسوغ، والطلب من الجانبين نبذ العنف واللجوء إلى الخيارات السلمية. وعلى رغم تبديد كثير من الفرص، يجب الحفاظ علي علاقاتنا الإقليمية والدولية وشرح موقفنا وتحديد مصالحنا في هذه المنطقة. وتبرز الحاجة إلى تفعيل سياستنا الخارجية، فيما يثير الأسف دعم طهران النظام السوري الحالي. فالدعم هذا فرّط بصدقية إيران في أوساط السوريين والرأي العام العربي نتيجة الوقوف وراء نظام قتل أكثر من 4 آلاف سوري، في حين لا مسوّغ لدعم مثل هذا النظام. أما تصريحات برهان غليون عن المقاومة، فيجب ألاّ نحملها محمل الجد. ومآل الأمور في العالم العربي، خير دليل على أن الديموقراطيات الوليدة في تونس ومصر وليبيا واليمن لا تصب في مصلحة إسرائيل، ومثل هذه الديموقراطيات جاءت بالإسلام السياسي الذي يعاديها، والمستقبل السياسي للمنطقة لا يخدم مصالح إسرائيل، والتطورات السياسية في العالم العربي ستفاقم عزلتها في المنطقة، وتساهم في تغليب كفة المقاومة. * سفير إيران السابق لدى الأردن، عن موقع «ديبلوماسي ايراني»، 7/12/2011، إعداد محمد صالح صدقيان