من بين التراكم الحداثي الذي تعيشه الأجيال المعاصرة، وثقافة التجديد التي تدعو إلى تغيير العادات، خصوصاً في الملبس والمأكل، ينبري مهرجان «الكليجا» ليعلن عصيان التراث على الاندثار، ومقاومة المأكولات الشعبية والحرف اليدوية بوجود أسر منتجة لا تزال تحمل لواء تعلم وتعليم عناصر الأصالة في وجه رياح تحد عاتية مثل عزوف الفتيات عنها، ومنافسة المصانع الكبرى. ولا يقف المهرجان عند إنتاج «الكليجا» فقط، بل تقدم 300 أسرة منتجة أكلات شعبية هي الأكثر طلباً في الشتاء مثل الحنيني والمعمول، فيما تحاول فتيات إضفاء نوع من الوجبات الحديثة لإرضاء كل الأذواق، وتتفنن أسر كثيرة بعرض إبداعاتها من الحرف اليدوية والمشغولات الفنية التي تأخذ طابع التحف. لتدب الحركة من جديد داخل أروقة مركز الملك خالد الحضاري في مدينة بريدة مساء اليوم مع انطلاقة مهرجان الكليجا الرابع الذي يدشنه أمير منطقة القصيم الأمير فيصل بن بندر، ويستمر لمدة 10 أيام، لترسيخ الارتباط بمنتج «الكليجا»، والتشجيع على ثقافة العمل والإنتاج والمساعدة في تسويق منتجات الأسر. ولفت أحد المهتمين في المهرجان إلى أنه على رغم تقادم السنين فإن هذا المنتج جاء كموروث شعبي حافظت عليه الأجيال السابقة، لكي يبقى لأبناء اليوم الذين يصطحبونه معهم إلى أقاصي العالم، خصوصاً الذين يقضون سنوات من عمرهم في العمل أو الدراسة في الخارج وفي مختلف الدول التي يصل إليها أبناء منطقة القصيم، لافتاً إلى أن منهم من يستخدمها كغذاء له ولأسرته بينما يفضل آخرون إهداءها لأصدقائهم الأجانب، إذ لا يزال بعض من أنهى دراسته في الخارج يتواصل مع أصدقائه عبر إهدائهم هذا المنتج. وأوضح أمين منطقة القصيم رئيس لجنة مهرجانات مدينة بريدة المهندس أحمد السلطان أن مهرجان الكليجا بات علامة فارقة في منظومة المهرجانات المختلفة التي تشهدها مدينة بريدة على مدى العام، لأنه المهرجان الوحيد الذي لا يقام من أجل الترفيه والترويح بل لأجل دعم الأسر المنتجة وتشجيعها على العمل ومن ثم تقديم منتجاتها الشعبية وإبداعاتها الحرفية إلى الجمهور وأرباب الصناعة المهتمين بأسلوب حضاري وراقي، وقال: «عام تلو عام ندرك وبجلاء واضح الجدوى المتحققة اجتماعياً واقتصادياً للأسر المنتجة المشاركة في المهرجان». وأشار رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في المنطقة الدكتور يوسف العريني إلى أن المهرجان استطاع توفير فرص عمل موقتة ودائمة لكثير من الأسر المنتجة، بينما ذكر نائب الرئيس التنفيذي للمهرجان عبدالرحمن السعيد أن اللجنة التنفيذية للمهرجان بدأت أعمالها باكراً لانطلاقة هذا الكرنفال الذي تنظمه أمانة منطقة القصيم والغرفة التجارية الصناعية في المنطقة وبدعم ومشاركة من الهيئة العامة للسياحة والآثار والجمعية التعاونية متعددة الأغراض «حرفة». من جانبه، أوضح الرئيس التنفيذي للمهرجان فهد العييري أن المهرجان أكبر تجمع للإنتاج الأسري في المنطقة، وأنه يقام هذا العام تحت شعار «الإنتاج الأسري .. وفاء واكتفاء»، وأن قرابة 300 أسرة منتجة تشارك في عرض منتجاتها الشعبية من المأكولات الشعبية ذائعة الصيت في المنطقة وفي مقدمها «الكليجا» والحرف اليدوية، لافتاً إلى أن المهرجان يتيح ما متوسطه 950 فرصة عمل موقتة للنساء اللواتي يشاركن أيضاً كأعضاء ينتمين لتلك الأسر المنتجة، وأن الإدارة التنفيذية للمهرجان تبنت هذا العام ولأول مرة تطبيق مبدأ العمل عن بعد لدعم الإنتاج الأسري بغية توفير فرص عمل مستديمة للأسر المنتجة، والسعي إلى تكوين قاعدة إنتاج منزلية يتم تسويقها بواسطة المحلات الكبرى التي تعنى بالمأكولات والمنتجات الشعبية.