هناك مسلّمة حان الوقت للتشكيك فيها. تقول هذه المسلّمة إن من غير الممكن أن يحصل أي تقاطع حقيقي بين مصلحة إسرائيل ومصلحة أي من الشعوب العربية. انطلاقاً من هذه المسلّمة يحاجج أنصار حزب الله قائلين: بما أن إضعاف حزب الله هو مصلحة إسرائيلية باعتبار أن قوة هذا الحزب العسكرية، وعلى رأسها ترسانته الصاروخية، شكلت وما زالت تشكل تهديداً جدياً لأمن إسرائيل وما يصب في مصلحة إسرائيل، فلا بد، بحسب المسلمة السالفة الذكر، أن يتعارض هذا الإضعاف مع مصلحة شعوب المنطقة. وبما أن إسقاط النظام السوري سيضعف حزب الله فإن إسقاطه يتفق، بالتالي، مع مصلحة إسرائيل ولا يخدم، من ثم، مصلحة أي من شعوب المنطقة. غالباً ما يرد المؤيدون للثورة في سورية على الحجة الآنفة الذكر بالقول إن استمرار النظام السوري الحالي هو ما يخدم مصلحة إسرائيل. فهو نظام منع قيام أي عمل عسكري من أراضيه باتجاه الجولان المحتل منذ عقود، ولم يسعَ بأي شكل جدي لاستعادة أرضه المحتلة هناك. وفي هذا طبعاً كل المصلحة لإسرائيل. يجيب أنصار النظام السوري على هذه الحجة بالإصرار على أن عدم فتح جبهة الجولان لا يلغي كون النظام في سورية جزءاً أساسياً في دعم جبهة الجنوب اللبناني وجعلها مصدر قلق حقيقي للإسرائيليين. ويضيف هؤلاء أن عدم مواجهة النظام السوري إسرائيلَ على جبهة الجولان لا يعني أنه لا يواجهها بقوة على جبهات غيرها. من جهة أخرى يرفض بعض مؤيدي الثورة في سورية مقولة إن إسقاط النظام السوري سيضعف قوى المقاومة كحزب الله وحماس. ويعتقد هؤلاء أن الشعب السوري يقف إلى جانب خيارات المقاومة، وبالتالي فهو سيستمر في دعم هذه الخيارات في ظل نظام ديموقراطي. طبعاً، يجد أصحاب هذه الحجة حرجاً ومشكلة في تبرير أو تفسير موقف حزب الله الثابت والواضح في تأييده للنظام السوري. لكن وعلى رغم كل هذا الخلاف، هناك أمر يتفق عليه مؤيدو الثورة السورية ومعارضوها وهو قبول المسلّمة موضوع المقال. فالجميع متفق على أن ما يفيد اسرائيل لا يمكن أن يفيد الشعب السوري. لكنهم يختلفون حول ما إذا كان سقوط النظام في سورية سيفيد إسرائيل أم لا. لكنّ هناك رفضاً شبه مطلق لإمكانية تلاقي مصلحة إسرائيلية ما مع مصلحة الشعب السوري. ما الذي يبرّر هذا الرفض المطلق لاحتمال التقاء المصالح تلك؟ يمكننا بلا شك تخيل تلاق كهذا عندما يتعلق الأمر بالكوارث الطبيعية مثلاً. فحدوث زلزال مدمر على امتداد الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط من اللاذقية إلى تل أبيب لن يكون في مصلحة إسرائيل كما أنه لن يكون في مصلحة سورية ولبنان أيضاً. لذا، ليس هناك ما يمنع في شكل مطلق التقاء المصالح بيننا وبين الإسرائيليين. هذا صحيح على الأقل في ما يتعلق بالكوارث الطبيعية. لكن الذي يجعل هذا التلاقي ممكناً في الأمور الطبيعية قد يجعله ممكناً أيضاً في الأمور البشرية. فعلى سبيل المثال قد لا يسعد الإسرائيليون لبروز قوى سلفية جهادية في مصر أو سورية تدعو لمحاربة الكفار واليهود. لكن هذا لا يعني أنه يجب أن نسعد نحن لبروز هكذا قوى. ليس كل ما يضر الإسرائيليين يفيدنا (أو حتى يفيد الفلسطينيين) بالضرورة. وليس كل ما يفيدنا يضرهم بالضرورة. لذا، ليس من المستحيل أن يكون في سقوط النظام السوري مصلحة لإسرائيل ومصلحة أيضاً للشعب السوري. كما أن ليس من المستحيل أن يكون في نهاية حزب الله كمنظمة عسكرية مصلحة إسرائيلية ولبنانية (وربما شيعية) أيضاً. فقوة حزب الله قد تشكل مصدر قلق لإسرائيل. لكن هذا لا يحول دون أن تشكل هذه القوة، بفعل حصريتها الطائفية، عاملاً تفتيتياً ومصدر شرخ خطير بين السنّة والشّيعة في لبنان. من المهم التأكيد أنه لا يعنيني الانحياز هنا إلى الذين يدّعون أن سقوط النظام في سورية يخدم مصلحة إسرائيل أو الانحياز إلى الذين يدّعون عكس ذلك. جل ما أريد قوله إنه حتى لو كان سقوط النظام في سورية يخدم المصلحة الإسرائيلية، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنه لا يخدم مصلحة الشعب السوري. فيجب، بالتالي، على ناشطي أو مؤيدي الثورة في سورية ألا يشعروا بالحرج أو الإرباك أمام احتمال استفادة إسرائيل من سقوط النظام. فاستفادة من هذا النوع لا تلغي استفادة الشعب السوري أيضاً من هذا السقوط. الرفض المطلق لاحتمال التقاء المصالح يستند ربما إلى فرضية أن علاقة العداء هي من نوع الألعاب التنافسية التي تكون محصلة الربح والخسارة لمجموع لاعبيها دائماً صفراً (a zero-sum game) حيث من غير الممكن أن يستفيد أحد من طرفي العلاقة من دون أن يتضرر الآخر. لكن ليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد أن علاقات العداء هي من هذا النوع. الذين يتصرفون على أنها كذلك يحوّلون عداءهم إلى حالة هوس مرَضي حيث لا قيمة لأي شيء إلا بمقدار ما يؤذي العدو. وحالة العداء الهوسي هذه تسيطر على مخيلة الكثيرين عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فيما هذا الهوس يُخضع أصحابه لابتزاز رخيص من قبل كل من يقدّم نفسه كمصدر أذى لإسرائيل. * كاتب وجامعي لبناني