قبل عامين، شكّل العرض الأول -تلفزيونياً وسينمائياً في الوقت نفسه- لفيلم ومسلسل «كارلوس» حدثاً فنياً وسياسياً كبيراً. بخاصة ان ما كان يجري الحديث عنه منذ سنوات عن الأرهاب وملحقاته لم يكن بعد قد انتقل الى الشاشة الصغيرة.. او هذا -على الأقل- ما قاله البعض في ذلك الحين. غير ان هذا البعض كان مخطئاً، اذ قبل ذلك بسنوات قليلة كان المخرج الفرنسي باربت شرودر قد عرض، وتحديداً في مهرجان «كان»، الذي شهد حدث «كارلوس»، فيلماً حول الموضوع نفسه انما متناولاً اياه من جانب آخر: من جانب سيرة المحامي جاك فرجيس الذي كان، الى امور أخرى، محامي الدفاع من كارلوس ابان محاكمته. والحقيقة ان شخصية فرجيس في فرنسا بخاصة، لا تقلّ شهرة عن شخصية كارلوس، ناهيك بسحر شخصية هذا المحامي الذي اعتاد ان يقضّ مضاجع اليمين الفرنسي منذ بدأت شهرته - ونضاله - اواخر خمسينات القرن العشرين حين تولى الدفاع قضائياً وسياسياً عن المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد ثم تزوجها. حمل فيلم شرودر يومها عنواناً ذا دلالة هو «محامي الرعب». وإذ عرض الفيلم اتهم من قبل اليمين الفرنسي بأنه يحمّل صورة فرجيس ابعاداً متعاطفة، فيما اتهمه انصار فرجيس بتشويه صورته. مهما يكن من الأمر فإن شرودر كان تحسّب لذلك كله اذ وضع الفيلم تحت شعار: ان من تعتبره ارهابياً قد يكون بالنسبة الى غيرك بطل تحرير وطنياً. والحال ان مشاهدة موضوعية للفيلم تكشف ان شرودر حافظ على هذا البعد الموضوعي طوال مدة الفيلم البالغة ساعتين وربع الساعة من اللقاءات والحوارات والوثائق التاريخية في مشاهد وفصول تبدو في النهاية وكأنها سجلّ للنصف الثاني من القرن العشرين منظوراً اليه من خلال شخصيات/علامات تتراوح بين سياسيين وارهابيين وضحايا ومجرمين وصحافيين. اما فرجيس في الفيلم فهو المحور الذي يدور ذلك كله من حوله. ومن حول سيرته التي يقدمها لنا المخرج وكأنها الخلفية السيكولوجية التي ترسم خطوات المحامي وتحوّله من ممارس تقني لمهنته ومن مناضل ضد الاستعمار الى فتى يريد ان يثأر لماضيه كطفل ملوّن، من البيض الذين اضطهدوه دائماً... ولعل هذه الصورة هي التي ستبدو اساسية اليوم للذين سيشاهدون الفيلم في عرضه التلفزيوني (الساعة 20.10 بتوقيت غرينتش) - والفيلم صنع اصلاً للتلفزيون - على شاشة «اورانج» الفرنسية.