تباطأت الاتصالات في شأن تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة أمس، على وقع انتظار المداولات العربية الجارية حول الوضع اللبناني والعلاقات الإقليمية، وسط تكتم شديد حول نتائجها وعناصرها، فيما ذكر بعض المعطيات أن العلاقة اللبنانية – السورية هي أحد مواضيعها الرئيسة، في شكل يتجاوز تشكيل الحكومة الى ما هو أهم وجوهري أكثر، بينما انصرف الوسط السياسي اللبناني، لليوم الرابع على التوالي، الى الاهتمام بمعالجة ذيول اشتباكات يومي السبت والأحد الماضيين بين مناصرين لحركة «أمل» وآخرين من «تيار المستقبل» في قلب بيروت في ظل تصاعد المطالبة بتدابير أمنية تجعل العاصمة منزوعة السلاح. وبينما انصرف الفرقاء اللبنانيون الى تقويم نتائج المشاورات الأولية التي أجراها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري حول صيغتها، أشارت مصادر واسعة الاطلاع الى تعقيدات تحتاج الى المزيد من الاتصالات. وأكدت جهات لبنانية مواكبة لهذه الاتصالات أن عقد قمة ثلاثية سعودية – سورية – لبنانية، يتخللها لقاء بين الرئيس بشار الأسد ورئيس الحكومة العتيدة الحريري، هي من الأفكار المطروحة، لكن شيئاً لم يتقرر على هذا الصعيد حتى الآن. وشمل انصراف الأطراف الى تقويم الطروحات الحكومية المحتملة، تخصيص رئيس البرلمان نبيه بري جزءاً من وقته أمس للتشاور مع حلفائه في المعارضة حول الموقف من الصيغ الممكنة المطروحة، ولفت النظر اتهام زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون بعد اجتماع تكتله النيابي أمس أميركا وفرنسا والسعودية وسورية بالتدخل في تشكيل الحكومة « ولا نعرف أين أصبح مركز الثقل في تأليف الحكومة... وحين تصبح المسألة جدية نطلعكم على ما يجري، لكن الآن لا أعرف ماذا يجري في الأجواء». وإذ تحفظت أوساط «تيار المستقبل» عن التعليق على الأنباء عن قمة سعودية – سورية – لبنانية يحضرها الحريري، فإنها أوضحت في وقت لاحق أن لا معلومات لديها، في حين أشارت مصادر مطلعة في بيروت الى أن المنطق يفترض أن مسألة لقاء الحريري مع الأسد أو مسؤولين سوريين آخرين هي استحقاق مطروح على الحريري كرئيس لحكومة لبنان لأنه حين لا يعود فقط زعيم «تيار المستقبل»، وعندما يصبح في موقع المسؤولية الرسمية والدستورية يمكنه التعاطي مع هذا الاستحقاق على قاعدة موافقته السابقة هو وسائر زعماء تحالف 14 آذار على إقامة علاقات سليمة مع سورية وعلى فصل موضوع المحكمة الدولية لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال والده، عن العلاقات مع سورية، وفق قرارات مؤتمر الحوار الوطني في آذار (مارس) عام 2006. لكن أوساطاً مراقبة سألت ما إذا كان الحريري سيلتقي الأسد قبل إنجاز التركيبة الحكومية أم بعدها، وإذا سيتم ذلك في إطار قمة ثلاثية أم في اجتماع عربي أو دولي من نوع آخر، خصوصاً أن قمة دول عدم الانحياز تُعقد في مصر في 14 تموز (يوليو) المقبل في شرم الشيخ... فضلاً عن أن البعض يتحدث عن إمكان أن يتم اللقاء خلال زيارة يمكن أن يقوم بها الرئيس الأسد للبنان. وفي حين يسعى الفرقاء اللبنانيون الى تسقط أنباء المشاورات الخارجية، فإن السفير السعودي الجديد في بيروت علي عواض عسيري قال في تصريح الى موقع «ناو ليبانون» الإلكتروني أمس أن «لبنان مقبل على مرحلة جديدة عنوانها الاستقرار الذي يحرص عليه جميع الفرقاء، لا سيما بعد الانتخابات النيابية التي حصلت أخيراً». ولفت عسيري الى «مؤشرات محلية وإقليمية مطمئنة، غير أن هذا لا ينفي ضرورة اتفاق اللبنانيين والتفاهم في ما بينهم حول الاستحقاقات الراهنة». وتحدث عسيري عن جولاته على جميع الفرقاء في لبنان في إطار انفتاح المملكة العربية السعودية على جميع الفرقاء «حتى القوى التي قد لا نتفق معها في السياسة لأن المطلوب هو التواصل لبحث المسائل المختلف عليها أياً كانت»، مشدداً على أن أبواب المملكة «مفتوحة أمام كل اللبنانيين من دون استثناء». ورأى أن «الاختلاف طبيعي والمطلوب تنظيم الخلاف وتلافي انعكاسه على الشارع لأن الأمن خط أحمر»، مشيراً الى «ما شهدناه في منطقة عائشة بكار وهو مؤسف ونتمنى ألا يتعدى كونه حادثاً طائشاً غير مبرمج وأن يتم تلافي تكراره...». ولفت عسيري الى «التداخل الحاصل بين السنّة والشيعة والروابط المشتركة بينهما، لا سيما في لبنان»، وشدد على «دور يمكن أن يلعبه رجال الدين العقلاء ومن الجانبين في هذا الاتجاه»، وتحدث عن اللقاء الذي جمع الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله والرئيس المكلف سعد الحريري و «الإيجابية التي خلفها هذا اللقاء على الشارع لمجرد عقده، بمعزل عن المواضيع التي طرحها الجانبان، إذ أنها لقاءات مطلوبة وضرورية». وأكد أن «لا خلافات بين السنّة والشيعة، والخلافات بين الطرفين هي سياسية وليست مذهبية بالعمق، ولا يجوز مطلقاً تصويرها على هذا النحو». وإذ تفهم عسيري اللغة التي سادت قبل الانتخابات، قال إنها «باتت من الماضي ومن هنا ضرورة أن يكون المستقبل آمناً ونجنب البلد المفاجآت التي إن حصلت قد تعيده مراحل الى الوراء». وأبدى السفير السعودي تفاؤله في نجاح الرئيس المكلف سعد الحريري بتشكيل الحكومة، قائلاً إنه «حتى ولو اعترضته بعض العقبات، هذا الأمر سيتم في نهاية المطاف»، وشدد على أن «أي طرف لا يمكنه أن يكفل وحده الاستقرار في لبنان». وتحدث السفير عسيري عن «تأثر هذا البلد والى حد كبير بمحيطه، ورأينا كيف أرخت قمة شرم الشيخ بالأمس بين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس المصري محمد حسني مبارك على المنطقة إيجاباً بما فيها لبنان، وهو كذلك قد يتأثر بأي تقارب إيراني – سعودي أو سوري – مصري أو سعودي – سوري». وعن مجريات الاتصالات السعودية – السورية وإمكان عقد قمة سورية – سعودية يحضرها لبنان، أجاب عسيري: «كل ما يمكن قوله هو أن أي تقارب سعودي مع الإخوة في سورية ينعكس إيجاباً على الوضع في لبنان، وهناك حرص على تعزيز أمن واستقرار هذا البلد وهذا ما يتم العمل عليه». وأكد تأييد المملكة للرئاسة الأولى في لبنان، معتبراً أن «تعزيز صلاحيات الرئيس أمر طبيعي وضروري ونحن حريصون على موقع الرئيس ميشال سليمان». وقالت مصادر فرنسية مطلعة في باريس عن زيارة الفريق الرئاسي الفرنسي أول من أمس الى دمشق واجتماعه الى الرئيس الأسد، إن «الجميع في العالم العربي يدفع باتجاه تحسين الأجواء في لبنان». وتوقعت «بلورة ذلك في قمة عربية تواكب تشكيل الحكومة الجديدة». وإذ اعتبرت المصادر اختيار رئيس الغالبية لرئاسة الحكومة عاقلاً، ذكرت أن باريس «تعمل على تحرير رسائل تشجيع لكل الذين يمكنهم ممارسة نفوذ لدى الأطراف كي تتمكن حكومة الوحدة الوطنية من القيام بعملها». ورأت أن «الثلث المعطل في الحكومة ليس المعادلة الأمثل... لأنه نشأ في أجواء من الريبة العميقة وإذا غابت هذه الأجواء تغيب ضرورته». أما على صعيد تفاعلات الوضع الأمني في بيروت فقد أكد نواب بيروت في تحركهم في اتجاه المسؤولين كافة، والأمانة العامة لقوى 14 آذار، ضرورة جعل العاصمة آمنة، وطالب بعضهم بأن تكون منزوعة السلاح وكذلك قوى سياسية كثيرة أخرى، دعت المسؤولين عن التنظيمات المتصارعة الى ضبط عناصرها. وصدر عن قيادة الجيش مساء أمس البيان الآتي: «نتيجة لتضافر الجهود بين مديرية المخابرات في الجيش وفوج المغاوير تم توقيف جميع المشاركين في أعمال الشغب وإطلاق النار التي حصلت في منطقة عائشة بكار، وأدت الى سقوط ضحايا بين قتيل وجريح وخسائر مادية في الممتلكات، وقد بلغ عدد الموقوفين واحداً وعشرين شخصاً. بوشر التحقيق معهم ليصار الى تسليمهم الى القضاء المختص». واعلن النائب نهاد المشنوق مساء ان ثمة «تراخيا غير مبرر في احداث عائشة البكار عند بعض المسؤولين في مخابرات (الجيش) في بيروت»، مشيرا الى «ان لدى وزير الدفاع تعليمات من رئيس الجمهورية لاتخاذ االجراءات اللازمة في حق الضباط المقصرين». واكد « ان اسماء المسؤولين عن مقتل الضحية زينة الميري معروفة، وهم من اصحاب السوابق».