منذ أكثر من شهر فجعنا بفقد أخينا صالح بن عبدالله الرافعي «ابوعبدالله» إثر حادثة انقلاب سيارته خارج مدينة الرياض، وقد كان لهذا الخبر وقعاً علينا وعلى جميع من عرفه لما يتمتع به من خصال حميدة وابتسامة لا تفارق محياه أبداً، أحبه الصغير والكبير وبكى على فقده الجميع، كان حريصاً جداً على البر بوالدته وعلى خدمة الناس والسير في مصالحهم لعلمه بما ينتظر القائم بهذا العمل من الأجر العظيم والذي دلت عليه العديد من الأحاديث، ومنها: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظاً، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل». إن مجرد أن تقضي لأخيك حاجة قد لا يستغرق أداؤها وقتاً قصيراً تعد أفضل من اعتكاف شهر... فيا الله كم من حاجة قضيتها يا أخي تموت وتترك أعمالاً تخلدك في الأذهان، أعمالاً لا يعلمها أحد، فلا تعلم يمينه ما تنفق شماله، ونحن فقدنا أخينا صالح الرافعي ذلك الشاب في مقتبل عمره الذي رسم لحياته منهجاً مليئاً بأعمال الخير والصدقات وقضاء حاجات الناس، سواء من يعرف منهم ومن لا يعرف، طلباً للأجر والمثوبة من الله وحده، وهذا مغاير لما يعيشه من هم في سنه والذين تتركز اهتماماتهم بالرياضة وغيرها، كان محبوباً من الجميع يحبه الصغار قبل الكبار، يحبه الفقراء والمحتاجون قبل غيرهم، فقد افتقده حتى عامل البقالة في الحي الذي بكى على فراقه وقال كان يفرج عني حين أصاب بضائقة مالية قد تصل في بعض الأحيان للآلاف، كما أنه يشفع في إنهاء معاملاتي لدى الإدارات الحكومية فماذا يرجو أحد من عامل بقالة صغيرة في مكان منزوٍ تكاد رفوف المحل تخلو من البضائع، كما كان من ضمن المعزين أم عبدالعزيز التي توفي زوجها ولديها منه أربع بنات وولد واحد، حين تقدمت لطلب منحة كونها أرملة وتجد الفقيد أمامها وتشكو له حالها وهو لا يعرفها فيقوم بإنهاء إجراءاتها محتسباً في ذلك وجه الله تعالى، وتقديراً لظروف تلك الأرملة المسكينة التي جاءت من أحد أطراف الرياض البعيدة ويستكمل إجراءات منحتها قبل وفاته، حيث ذكرت لنا أنها في يوم وفاته باعت المنحة وأنهت عدداً من الديون التي أثقلت كاهلها وأسرتها. يذكر لنا مؤذن المسجد في الحي الذي يسكن فيه صالح أنه كان يشرف على جميع حاجات المسجد ونحن إخوانه والله لا نعلم بذلك، يذكر من حضر حادثة السيارة حين وقف عليه وهو ينزف أنه سأله عن صاحبيه الذين معه بالسيارة، على رغم أن إصابتهم طفيفة بينما هو ينزف من أطرافه، وليس أدل من هذا الموقف على بطولته وعلى وقوفه مع أصدقائه وأقربائه في هذا الموقف المجاملة تكون بعيدة كل البعد فلا مجال لها في هذه الحادثة الأليمة والموقف الجلل ويفارق الحياة وهو مكبر لله سبحانه وتعالى، فنسأل الله أن يجعل ما قدمه في حياته نوراً وأنيساً له في قبره، وأن يجمعنا به ووالدينا في الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يجبر عزاء والدته المسكينة وزوجته بفقده، وأن يصلح له ابنه عبدالله وابنته ليان ليكونا من حفظة كتاب الله... آمين.