بعد معارك متواصلة منذ مطلع السنة الحالية، تمكن تنظيم «داعش» أمس من هزيمة خصمه الرئيسي «جبهة النصرة»، الذراع الرسمية لتنظيم «القاعدة» في سورية، في محافظة دير الزور الشرقية على الحدود مع العراق. وبات التنظيم الذي يقوده العراقي أبو بكر البغدادي، يسيطر على مساحة شاسعة من الأراضي السورية الغنية بالنفط تمتد من حدود العراق شرقاً وحتى الباب في ريف حلب غرباً، مروراً بمحافظة الرقة، أو ما يعادل خمس مرات مساحة لبنان. (للمزيد) وكانت مؤشرات هزيمة «النصرة» في شرق سورية لاحت منذ يومين عندما تمكن «داعش» من طردها هي وجماعات إسلامية أخرى من مدينة البوكمال، وهي معبر حدودي رئيسي مع العراق. وبدا «داعش» مصراً على إكمال المعركة ضد «النصرة» بإرساله حشوداً من مقاتليه إلى معاقلها الأساسية في ريف دير الزور، والتي بدأت بالتساقط تباعاً، إما من خلال إعلان مقاتلي «النصرة» وعشائر عربية أخرى مبايعة البغدادي بوصفه خليفة على المسلمين، بحسب ما نصّبه تنظيمه، أو بالانسحاب من هذه المناطق وإخلائها لمصلحة «داعش». وظهر أمس أكمل «داعش» انتصاره بسيطرته على حقل العمر النفطي في دير الزور، وهو أكبر حقل للنفط في سورية، بعدما فر منه مقاتلو «النصرة» تاركين وراءهم أسلحتهم وعتادهم. وعرضت مواقع مؤيدة لتنظيم البغدادي مشاهد على الإنترنت يظهر فيها مقاتلو هذا التنظيم وبينهم شخص تم تعريفه بأنه «القائد همام» في حقل العمر، وهم يشيرون إلى عربة سلاح تركها مقاتلو «النصرة» خلال فرارهم. وظهرت في الشريط أيضاً علامة كانت ترفعها «النصرة» على مدخل الحقل النفطي وتحمل عبارة: «تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الشام: جبهة النصرة». ويُمثّل انتصار «داعش» على «النصرة» في دير الزور هزيمة لا يُستهان بها لقيادة تنظيم «القاعدة» في وزيرستان بقيادة أيمن الظواهري الذي ساند أمير «النصرة» أبو محمد الجولاني في صراعه مع البغدادي عندما مد الأخير نفوذ تنظيمه «الدولة الإسلامية في العراق» إلى سورية وغيّر اسم التنظيم إلى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). ورفض البغدادي مراراً طلبات الظواهري له بالعودة إلى العراق وترك الجولاني ليقود الجهاديين في سورية تحت مسمى «جبهة النصرة»، قائلاً إن ذلك سيعني قبوله بحدود سايكس بيكو وفصل العراق عن سورية وهو ما لا يقبل به. وذهب أبو محمد العدناني، أحد أبرز قادة «داعش» في سورية، إلى حد الهجوم المباشر على الظواهري، ودعاه إلى رفض البيعة التي أعلنها الجولاني لزعيم «القاعدة» بحجة أنه نقض بيعته الأساسية التي أعلنها للبغدادي عندما كان يقاتل ضمن صفوفه في العراق. وأكد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بعد ظهر أمس سيطرة «الدولة الإسلامية» على حقل العمر شرق بلدة البصيرة وشمال شرقي مدينة الميادين واللتين بات يسيطر عليهما تنظيم «داعش». وقال في تقرير من دير الزور: «تأتي هذه السيطرة عقب انسحاب جبهة النصرة (تنظيم القاعدة في بلاد الشام) من الحقل النفطي، دون اشتباكات بينها وبين الدولة الإسلامية في الحقل، الذي يضم معملاً للغاز ومحطة لتوليد الكهرباء». وحقل العمر يُعد أكبر وأهم حقل نفط في سورية وتبلغ طاقته الإنتاجية 75 ألف برميل يومياً، ما يعني مصدر دخل لا يُستهان به لمصلحة «داعش». وقوبل هذا التوسع ل «داعش» بمخاوف أبداها معارضون سوريون في الداخل على كيان الدولة السورية ووحدة أراضيها، بحسب ما جاء في بيان أوردته وكالة «فرانس برس». ونشرت «هيئة التنسيق الوطنية» من المعارضة المقبولة من النظام بياناً على صفحتها على موقع «فايسبوك» للتواصل الاجتماعي جاء فيه إن «التطور الخطير» المتمثل بسيطرة «الدولة الإسلامية» على مناطق عدة في شرق سورية وشمالها «يهدد كيان الدولة السورية ووحدة وسلامة أراضيها»، و «ستكون له عواقب غاية في الخطورة إن لم يقم المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لمواجهته». وذكرت هيئة التنسيق في بيانها أنها «حذّرت منذ بداية تحول الحراك الشعبي السلمي إلى العمل المسلح، وإصرار النظام على انتهاج الحل الأمني العسكري كسبيل وحيد لإنهاء الأزمة، من وصول الأمور إلى هذا الوضع الخطير، حيث تحولت سورية إلى أرض خصبة ونقطة جذب لجميع الجهاديين الإرهابيين في العالم».