استخدم الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه في اليوم العاشر لإحياء السيرة الحسينية عبارة «المتغيرات» ثلاث مرات، في معرض تأكيده أن المقاومة باقية وأن سلاحها باق، وفي معرض حديثه عن المراهنين على هذه المتغيرات بأنهم يريدون تحقيق ما عجزت عنه إسرائيل عبر الحوار الوطني وتركيزهم على مسألة سلاح الحزب. ومع التشدد الذي أظهره السيد نصرالله في ما يخص احتفاظ الحزب بسلاحه، وهذا أمر طبيعي، فإن استخدامه تعبير المتغيرات يحمل جديداً قياساً الى خطبه السابقة. وإن لم يقل إن المقصود بالمتغيرات هو التغيير في سورية معبر السلاح الى الحزب ومقاتليه والحليف الإقليمي الأول له ولإيران، فإن الجديد هو أنها المرة الأولى التي يشير فيها الى احتمالات التغيير في دمشق، وذلك من باب التأكيد لخصومه المحليين والإقليميين أن هذه الاحتمالات لن تقود الى تغيير في منطلقات سياسته في لبنان ولا في ثوابته المتعلقة بسلاحه. فالخطاب السياسي السابق للسيد نصرالله ولقيادة الحزب، كان معاكساً تماماً. فقبل أسبوعين فقط أكد بثقة أن النظام السوري باقٍ ولن يتغير ولن يسقط وأنه سيكون أقوى من السابق. بل إن قادة الحزب كانوا على مدى الأشهر التسعة الماضية من عمر الانتفاضة السورية يؤكدون لهذا الفريق أو ذاك، ولهذا الحليف أو ذاك، ما كان رموز النظام السوري يكررون، بأن الأزمة في سورية انتهت، وأن ما بقي هو «فلول العصابات المسلحة» التي يلاحقها الجيش وقوات حفظ النظام، والقضاء عليها يحتاج الى أيام أو الى أسبوع أو أسبوعين. وكان بعض اللبنانيين الحلفاء للنظام السوري يبلغ محدثيه وهو يتطلع الى ساعته: في التوقيت الفلاني تكون درعا، (أو حماة أو حمص أو إدلب أو جسر الشغور الخ...) انتهت وجرى تنظيفها من المتمردين... وكان بعض من يسمع هذا الكلام يصدق والبعض الآخر لا يصدّق ويكتفي بالانتظار، ليعود فيسأل بعد أسبوعين عن مصير الحسم العسكري الذي وعد به هذا القيادي أو ذاك في سورية، فيلقى جواباً مشابهاً، لكن عن منطقة أخرى. إلا أن قادة «حزب الله» كانوا يتصرفون على أن لا مجال أمامهم سوى المراهنة على نجاح النظام في سحق الانتفاضة، لأنهم كانوا يشعرون أن مصير الحزب ودوره وقوته كانت تتوقف على بقاء الحليف الرئيس في موقعه، مهما كانت مشكلته مع قطاعات واسعة من الشعب السوري. وإذا كان من تلقوا الوعود بحسم الأمور لمصلحة نظام الرئيس بشار الأسد، قد سئموا تكرارها من دون أن تنجح، فإن قادة «حزب الله» أنفسهم لا بد من أن يكونوا هم أنفسهم سئموا المعزوفة من كثرة تكرارها. وهذا أطلق نقاشاً داخل الحزب حول خياراته وسياساته في حال فشل الرهان على بقاء النظام السوري، أو في حال بقائه مع تعديل أساسي في توجهاته ومنها حيال لبنان. فقيادة الحزب سبق أن تابعت عن قرب بداية الأزمة ونصحت باستعجال الإصلاحات، وبعدم الاعتماد على الحل الأمني وبفتح الحوار مع المعارضة. لكن القيادة السورية تعاطت مع هذه النصائح مثلما تعاطت مع غيرها (تركيا، قطر ودول خليجية...) في بداية الأزمة، برفض الأخذ بها، بحجة أن سورية لا تحتاج الى مثل هذه النصائح وأن قيادتها أدرى من الآخرين بشعابها... وليس من باب المغالاة القول إن «حزب الله» يتصرف بقلق حيال احتمال المتغيّر السوري، وبات يضرب حسابات لاستباق هذا المتغيّر. لكن المقلق في نظرة الحزب الى هذا الاحتمال أنه يعتمد سياسة تستأخر التغيير في سورية وتنتظر حتى يحصل من دون التسليم به. وإذا كان الحزب وحلفاؤه يأخذون على زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وقادة قوى 14 آذار أنهم يستعجلون سقوط النظام السوري ويبنون رهانات على هذا السقوط تغييراً في موازين القوى المحلية، ويعتبرون ذلك تدخلاً في الشأن السوري الداخلي، فإن ما يعيبونه على خصومهم يقعون فيه أيضاً حين يتجاهلون آثار احتمال التغيير على لبنان وعلى موقع الحزب الإقليمي وفي المعادلة الداخلية. إنه تدخل ولكن بالوجهة المعاكسة، ضد تطلعات الشعب السوري بالتغيير وضد وصول «الربيع العربي» الى سورية. والمقلق أيضاً أن «حزب الله» بدلاً من أن يسعى الى التكيّف بليونة، يعمد الى تشدد قد يقوده الى الخشونة. فهو يرفض التسليم بأن المتغير السوري سيقود الى تغيير موقعه المتفوق في ميزان القوى الداخلي الذي اكتسبه بفعل الدور السوري السابق الذي بني على قهر فريق على حساب آخر. وهذا يعني أن الحزب يميل حتى الآن الى اعتبار أرجحيته في التركيبة اللبنانية الراهنة حقاً مكتسباً لا يقلل من وزنه أي تغيير في الدور السوري. ولهذا السبب ينبّه خصومه منذ الآن بألا «يفكروا» في أن قوته ستنقص وأنه سيحتفظ بمفاعيل الدعم السوري الذي تلقاه طوال السنوات الماضية حتى لو حصلت «المتغيرات». وهذا يعني أن لبنان أمام مرحلة صعبة في كل الأحوال.