قادت كثرة الجوائز التي تمنح للرواية في العالم العربي، خلال السنوات الأخيرة، إلى انتعاش الكتابة الروائية، والإقبال عليها بصورة غير مسبوقة. كما نبهت دور النشر في الكثير من دول العالم إلى ضرورة الاهتمام بترجمة الرواية العربية إلى لغات كثيرة، وعلى رأسها الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والإسبانية، وهي اللغات التي يتكلمها أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية، كلغات أمّ أو لغات ثانية متعلمة على الأقل. بل إن تلك الجوائز الممنوحة للروايات الجديدة، مثل جائزة البوكر العربية، صارت معبراً لعدد من الروايات الفائزة إلى الترجمة والنشر عن دور نشر عالمية كبيرة تضمن لتلك الروايات شريحة واسعة من القراء. وقد كانت الروايات العربية في السابق تصدر عن دور نشر هامشية صغيرة تبحث عن دعم للترجمة والنشر تقدمه مؤسسات تهتم بالعالم العربي وتسعى للتعرف على طبيعة سير الأمور في دنيا العرب، وتريد أن تعرف من خلال الإبداع، لا عبر السياسة، كيف يفكر العرب المعاصرون. أو أن تلك الروايات القليلة، التي تجد طريقها للنشر، كانت جزءاً من برامج النشر الضيقة في أقسام اللغة العربية أو الدراسات الشرق أوسطية في الجامعات الأجنبية. بهذا المعنى، لم يكن ما يطبع من الروايات العربية المترجمة يتجاوز بضع مئات أو بضعة آلاف من النسخ لا يقرأها سوى المختصين أو المهتمين بالعالم العربي. أما الآن فقد صارت الرواية العربية تحتل موضعها المحفوظ على قوائم دور النشر الكبيرة في العالم. الانتشار إذاً هو ثمرة الجوائز بصورة أساسية، وليس متأتياً من مجرد الاهتمام بالعالم العربي بوصفه بقعة غامضة من بقاع العالم، وموضع تفحص استراتيجي للدراسات الشرق أوسطية. لكن المشكلة التي خلقتها الجوائز تتمثل في الإسهاب العام في الكتابة الروائية، وتحول كتاب كثيرين لكتابة روايات ضعيفة تجد طريقها إلى النشر بسهولة بسبب طلب دور النشر الملحّ على الروايات ليتم ترشيحها للجوائز المتكاثرة. ذلك أدى، في جانب من جوانبه، إلى تسرع كتاب الرواية في إنجاز رواياتهم، ليتم ترشيحها قبل انتهاء الموعد المضروب لانتهاء الترشيح، ما أدى إلى ضعف عام في الكتابة الروائية، وأوهن عزيمة الروائيين الموهوبين الذين دخلوا، إلى جانب الروائيين الأقل موهبة، أو أولئك الطامحين في الجوائز، في السباق المحموم للكتابة والنشر المتسرع في هذه السوق المفتوحة التي تستوعب الغث والسمين، اللافت وذلك الذي يبعث على الملل، بل النوم أحياناً، من الكتابات الروائية التقليدية التي تظن أن الرواية هي مجرد حبكة وحكاية وشخصيات لا سبرٌ لأعماق اللغة والوجود الإنساني. يحدث هذا في سياق علاقات السوق والتنافس بين دور النشر الكبيرة والصغيرة، التي تسعى إلى تأكيد حضورها من خلال طبع كتب يطلبها الجمهور، او عبر المشاركة في ترشيح كتابها للجوائز. ومع ذلك، فإن على دور النشر، الكبيرة والصغيرة منها على السواء، أن تدرك أن عليها التدقيق في الروايات التي ترد إليها وتحولها إلى قارئين مختصين يبدون رأيهم في صلاحيتها للنشر ويدققون لغتها قبل دفعها للنشر. فقد قرأت روايات أدرجت في القوائم الطويلة والقصيرة للجوائز، أو أنها فازت، وكان فيها من أخطاء اللغة ما يندى له الجبين. وهو ما يساهم في ضعف المنجز الروائي العربي بدلاً من أن يتسبب في تطور الرواية ومنافستها للكتابة الروائية في العالم.