قلبت تحالفات اللحظة الأخيرة حسابات أحزاب سياسية مغربية راهنت على الفوز بمنصب العمدة في المدن الكبيرة كونها تعكس مراكز النفوذ السياسي في ضوء نتائج انتخابات البلديات في الثاني عشر من الشهر الجاري. وأصبحت السيدة فاطمة الزهراء المنصوري من حزب الأصالة والمعاصرة أول امرأة مغربية تنتخب عمدة في مراكش، بعد إقصاء القيادي في الاتحاد الدستوري عمر الجزولي من عمادة المدينة، وعزت مصادر حزبية ذلك الى اصطفاف مستشارين الى جانب الأصالة والمعاصرة، في سياق «تبادل التصويت» خصوصاً في مدينة الدارالبيضاء حيث يتوق العمدة السابق محمد ساجد لمعاودة انتخابه، إلا ان منتخبين في حزب العدالة والتنمية عارضوا هذا التوجه، ما أدى الى تعليق الانتخابات الى وقت لاحق. وحرصت السيدة المنصوري المحامية التي دفع بها حزب الأصالة والمعاصرة الى إزاحة الجزولي من مركز نفوذه التقليدي، على القول إنها «لا تملك عصا سحرية، لكنها ستعتمد الإنصات الى مطالب المواطنين». وأضافت انها ستبدأ بدرس الملفات وبرمجة الأولويات، بيد أن مجرد ترشحها للمنصب شكل تحولاً نوعياً في المشهد السياسي. وكانت المراجع الرسمية لفتت منذ فترة الى ظاهرة تولي نساء مغربيات مسؤوليات في إدارة المملكة كانت حكراً على الرجال. وعيّن العاهل المغربي الملك محمد السادس امرأة في منصب محافظ في مدينة الدارالبيضاء. وفيما انتعش حزب الاستقلال بمعاودة انتخاب حميد شياط عمدة في فاس لولاية جديدة، على رغم الانتقادات التي وجهها إليه منافسوه، أعلن مستشارون من الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة والتقدم والاشتراكية رفضهم الظروف التي جرت فيها الانتخابات، واتهموا أنصار شياط باستخدام العنف، وقالوا إنهم سيرفعون التماساً إلى ملك البلاد للطعن في عدم حياد الإدارة. ورأت مصادر حزبية انه على رغم احتدام الخلافات بين الأحزاب السياسية، فإن التحالف القائم بين الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية أصبح مهدداً، أقلّه إعلان زعيم الحزب الاسلامي عبدالإله كيران عن سحب ترشيح القيادي الحسن الداودي الى منصب عمدة الرباط، في حين بات مرجحاً أن المنافسة ستدور بين فتح الله ولعلو وزير المال السابق من الاتحاد الاشتراكي والعمدة السابق عمر البحراوي من الحركة الشعبية، ما لم تحدث مفاجآت. بيد أن العمدة السابق لمدينة سلا النائب ادريس السنتيسي من الحركة الشعبية لم يترشح في آخر لحظة الى منصب عمدة المدينة، ما حدا الى فوز نورالدين الأزرق من تجمع الأحرار بالغالبية. ويسود اعتقاد بأن تراجع السنتيسي عن الترشح كان بهدف اغلاق المنافذ أمام مرشحي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة. وبرر أكثر من مراقب هذا التحوّل في ميول الفاعليات السياسية في دعم هذا الترشح أو ذاك إلى حسابات همت «ترضيات» مسبقة للاستئثار بمناطق النفوذ خارج المواقع الحزبية بين المعارضة والموالاة. وتنصرف هذه الاصطفافات التي لا تكاد تخضع لأي منطق سياسي إلى تطلعات لحيازة رئاسة الجهات، كونها أكبر مؤسسة في هرم الديموقراطية المحلية، وعلى رغم أن أحزاب الائتلاف الحكومي التي تضم الاستقلال والاتحاد الاشتراكي وتجمع الأحرار والتقدم والاشتراكية حازت على الغالبية في أكثر من 700 بلدية من أصل 150. فإن وقائع انتخاب عمداء المدن أبانت عن هشاشة التحالف الحكومي في مقابل حسابات الترضية. واستطاع الاصالة والمعاصرة الذي ينعته خصومه بأنه الحزب الأكثر قرباً الى السلطة من حيازة عمدتي مراكش وطنجة، وهما مدينتان سياحيتان تحظيان بالقسط الأوفر من مشروعات التنمية. في حين لا يزال الصراع قائماً حول عمدة الدارالبيضاءوالرباط وتطوان ومدن أخرى في انتظار إكمال الملامح النهائية للتحالفات. وبدا أن حزب العدالة والتنمية الذي كان يفاخر بحيازته مقدمة الترتيب في المدن الكبرى أقل استنفاداً لحضوره السياسي في المواقع التي كسبها، ما يعني أن التحالفات تجاوزت المواقع الحزبية نحو «تبادل الأدوار والترضيات».