نقلت مصادر فرنسية مطلعة عن الرئيس السوري بشار الأسد أنه «استقبل نتائج الانتخابات اللبنانية هدوء كبير مع وضع مسافة بينه وبينها»، وأنه «تحدث عن رئيسي الجمهورية ميشال سليمان والحكومة سعد الحريري في شكل إيجابي، في إطار الحوار الذي تم استئنافه بين سورية والمملكة العربية السعودية». وذكرت أن «مصر أيضاً تدفع بالاتجاه نفسه، وفرنسا تعتبر إنها لم تشهد منذ فترة طويلة مثل هذه المرحلة الهادئة والمطمئنة». وكان الفريق الرئاسي الذي زار دمشق وضم الأمين العام للرئاسة كلود غيان والمستشارين الرئاسيين جان دافيد ليفين وبوريس بوالون، توجه بعد الزيارة الى أنقرة. ولاحظت المصادر أن الجميع في العالم العربي يدفع باتجاه تحسين الأجواء، متوقعة «بلورة ذلك قريباً في قمة عربية تواكب تشكيل الحكومة الجديدة»، وموضحة أن فرنسا تؤيد كل ما من شأنه أن يصب في إطار استقرار لبنان. وكشفت المصادر أن الفريق الرئاسي تناول مسيرة السلام الفلسطينية - الإسرائيلية «لكون خالد مشعل مقيماً في دمشق وله دور غير قابل للتجاوز، ويتمنى الجانب الفرنسي أن يتحرك باتجاه الشروط الثلاثة التي حددتها المجموعة الرباعية، في مقابل الاعتراف بحركة «حماس». وذكرت أن الوفد الرئاسي تناول أيضاً الوضع في لبنان، وأن فرنسا «حرصت طوال الحملة الانتخابية اللبنانية على إبداء ثقة تامة بأسلوب خوض هذه الحملة مع التزام الحياد التام حيال الأطراف الفاعلة فيها، وحيال نتائجها أياً كانت هذه النتائج». ولفتت الى أن البعض توقع فوز قوى 8 آذار وأن البعض الآخر توقع فوز قوى 14 آذار، «لكن هذا لم يكن محط اهتمام السلطات الفرنسية، وما اهتمت به هو أن تكون الانتخابات نموذجية وهي كانت كذلك، وتستحق التحية في منطقة لا تشهد الكثير من الحملات الانتخابية النموذجية». وأشارت المصادر الى أنه «في حين تخللت الانتخابات الاشتراعية السابقة اضطرابات واغتيالات فإن الانتخابات الأخيرة شكلت حواراً بين نظرتين للبنان، بأكثر الطرق الديموقراطية الممكنة». ولفتت الى أن «ما من احد شكك بنتائج الانتخابات»، وأن «حزب الله» والعماد ميشال عون صرّحا بأنها عبرت عن إرادة الناخبين. وقالت المصادر إنه «من هذا المنطلق تعمل المؤسسات اللبنانية في شكل طبيعي، مما جعلنا نفكر بالتوجه الى دمشق من دون أن نُتهم بالتدخل بطريقة أو أخرى في الشأن اللبناني». وتوقعت أن تكون هناك حكومة وحدة وطنية لبنانية، مشيرة الى أن اختيار رئيس الغالبية، يصب في هذا الإطار «وهو خيار ترحب به فرنسا وتراه عاقلاً نظراً الى هشاشة وضع لبنان السياسي». أكدت أن فرنسا على الحياد، وأن الرئيس نيكولا ساركوزي وجه رسالة تهنئة الى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، «وتعمل على تحرير رسائل تشجيع الى كل الذين يمكنهم ممارسة النفوذ لدى الأطراف المختلفة لكي تتمكن حكومة الوحدة من القيام بعملها». وذكرت المصادر أن لبنان «كان على حافة الكارثة وعرف مرحلة بالغة الصعوبة تمكن من تجاوزها، والذين انتقدوا فرنسا لاستئناف حوارها مع دمشق، استأنفوا بدورهم الحوار معها». وأوضحت أن «هدف الحوار مع دمشق هو تعزيز هذه الذهنية وتمكين حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية من أداء مهماتها وتزويدها ما يلزم من إمكانات للتوصل الى ذلك، لأن الحكومة اللبنانية كانت معطلة لفترة طويلة والبرلمان لم يجتمع مدة 18 شهراً». وعبرت عن أملها بأن تتمكن الحكومة الجديدة «من إجراء الإصلاحات الضرورية وتعويض الوقت الضائع». ونقلت عن الرئيس السوري بشار الأسد تلقيه «بهدوء بالغ نتائج الانتخابات اللبنانية، واضعاً مسافة صادقة بينه وبين هذه التطورات». واعتبرت أن «سورية تلعب دوراً إيجابياً جداً، من دون أن تتدخل دائماً عبر حضها الأطراف على التقدم». ورأت أن «الثلث المعطل ليس المعادلة الأمثل»، وأنه «على غرار التعايش في فرنسا يتحول الى أداة عرقلة، ولا بد من الكثير من التعقل والإرادة الحسنة لدفع الملفات الى التقدم». وقالت إن «المهم أن يكون هناك نقاش مسبق للبرنامج الحكومي، لأن الثلث المعطل نشأ في ظل أجواء من الريبة العميقة وإذا غابت هذه الأجواء تغيب ضرورة الثلث المعطل». وكشف مصدر ل «الحياة» انه يتوقع تشكيل حكومة وحدة وطنية من دون الثلث المعطل، وأن الجميع يريد تهدئة الأوضاع. إيران وعن إيران، أشارت المصادر أن الجميع كان يعتبر أن إيران بلد قوي بالمقارنة مع البلدان الأخرى، «ولكن بالنظر الى وضع إيران اليوم، وتراجع إمكاناتها الاقتصادية واضطرارها لاستيراد الغاز والنفط، والاستياء الاجتماعي، يبدو أن إيران كانت تواجه مشاكل منذ ما قبل الانتخابات، وهي الآن تواجه أزمة نظام». ورأت أن «المهم في الأمر هو درجة التعبئة لدى المرشحين ولدى الشعب الإيراني، وحتى إذا قمعت هذه التعبئة فإن النظام في أزمة ووراء الأبواب المغلقة وضع هذا النظام بات مختلفاً تماماً وبات يعاني من شرخ». وأضافت أن مرشد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي، «كان يفترض أن يلعب دور الحكم، وهو لم يعد في هذا الموقع وهذه سابقة منذ عام 1979، ما يعني أن الإيرانيين سيكونون منشغلين في أمورهم الداخلية. فبالنسبة الى لبنان كان المسؤولون الإيرانيون يقولون لفرنسا باستمرار قبل الانتخابات أن الانتصار فيها سيكون ل «حزب الله» والعماد ميشال عون، وكانت الانتخابات بمثابة نكسة للإيرانيين، والمفاجأة السيئة الثانية للقيادة الإيرانية كانت الانتخابات والتصويت في إيران ذاتها وكل ذلك في إطار اليد الممدودة للرئيس الأميركي باراك أوباما وخطابه في القاهرة الذي غيّر موقف كثيرين في المنطقة ليس فقط في إيران ولكن في أماكن أخرى. والمقلق أن رد فعل المرشد الذي اختار الحسم والإعلان عن فوز أحمدي نجاد، يمثل رد فعل منغلقة في مواجهة اليد الممدودة الأميركية». ولفتت المصادر الى أن «تحليل السوريين مطابق لتحليل الإيرانيين حول فوز أحمدي نجاد وأن فئات في الداخل مضللة من الخارج، أبدت اندفاعها لكن الأمور بدأت تعود الى طبيعتها». واعتبرت أنه «لا يمكن القول إن «حزب الله» أداة في أيدي سورية وإيران، وأعضاء الحزب هم لبنانيون أولاً، وإذا طلبت إيران من الحزب التسبب بحرب مع إسرائيل، فإن الحزب قد لا يتجاوب مع هذا الطلب نظراً للأخطار التي قد تترتب على صعيد أوضاع الشيعة». ومضت تقول إن «سلاح الحزب يأتي من إيران عبر سورية ولكن الاعتقاد أن الحزب دمية في يدي أحمدي نجاد ينطوي على مبالغة، لأنه إذا رأى أن ما هو مطلوب منه مناقض لمصلحة لبنان، فإنه لا يقوم به، بدليل أنه لم يتحرك خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، على رغم تحالفه الاستراتيجي مع حماس». ورأت أن حرب تموز (يوليو) عام 2006 «اندلعت بسبب خطأ مزدوج ارتكب من قبل كلا الطرفين، ومن الخطأ الاعتبار أنه كان مخططاً لها في طهران أو سواها، فهي جاءت نتيجة خطأ محلي، أساء الى «حزب الله»، وإسرائيل خاضت الحرب معتبرة انها ستتمكن من التخلص من الحزب». وأكدت أنها لا ترى اليوم أن هناك طرفاً له مصلحة في خوض حرب ضد إسرائيل، «فالأجواء هادئة، وليست هناك أي حركة عسكرية في دمشق، وإسرائيل خاضعة لضغوط كبيرة من أجل إحياء مسيرة السلام، وإذا حاولت إيران الهروب الى الأمام عبر الأطراف الموالية لها في المنطقة، فإن هذه الأطراف لا تبدو مستعدة لخوض حرب في هذا الظرف». الملف الفلسطيني ونقلت المصادر عن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قوله للأميركيين إنه غير مستعد بعد لمناقشة موضوع المستوطنات وأن وزير الدفاع إيهود باراك سيتوجه الى واشنطن للتفاوض مع المبعوث الأميركي الى الشرق الأوسط جورج ميتشل. وذكرت أن الإسرائيليين يقولون للفرنسيين أن القضية معقدة جداً، بسبب أعمال البناء التي بدأت والمباني التي تخرج من الأرض، وأن باريس تقول إنه مهم عدم الوصول الى وضع تصبح فيه ذريعة النمو الطبيعي للمستوطنات مقبولة. ولفتت الى أن ما يشجع باريس هو الموقف الأميركي الداعي الى تجميد الاستيطان وأنها طلبت من الإسرائيليين النظر بما يمكن تجميده. وقالت المصادر إن باريس تعتبر أن إسرائيل اعترفت بالدولة الفلسطينية عبر خطاب نتانياهو، وإنها المرة الأولى التي ينضم فيها الليكود واليمين الإسرائيلي الى فكرة أن الحل يمر عبر دولة فلسطينية. وذكرت أن نتانياهو أبلغ فرنسا بأن ما حدده من شروط حول الدولة الفلسطينية، ليست شروطاً لمعاودة التفاوض، وأنه لو كان إنشاء دولة منزوعة السلاح شرطاً للتفاوض، فإنه سيحمل الفلسطينيين على الرفض وكذلك الأمر بالنسبة الى اعتبار إسرائيل دولة يهودية. وأكدت أن نتانياهو قال بصراحة للجانب الفرنسي أن ما تضمنه خطابه ليس شروطاً مسبقة للتفاوض، وأن المواضيع الأمنية ستطرح للنقاش خلال العملية التفاوضية. واعتبرت أن بعض ما تضمنه خطاب نتانياهو هدفه إرضاء الليكود ولكن موضوع الخلاف الفعلي هو المستوطنات. وتابعت أنه «إذا تمكن الأميركيون من التوصل الى تحديد دقيق جداً لما يعنيه تجميد الاستيطان لعدد معين من الأشهر قابلة للتمديد، فعندها يكون الظرف مؤاتياً لاستئناف التفاوض». وقالت إن «الفكرة الأميركية تقضي بأن تقدم الدول العربية على مبادرة إيجابية كلما أقدمت إسرائيل على مثل هذه المبادرة بحيث تكون هناك ردود فعل رمزية من الجانب العربي، وفرنسا تدعم هذا التوجه الأميركي، والإيجابي هو أن الإدارة الأميركية لا تزال في بداية عهدها وعازمة على عدم توفير أي جهد على صعيد دفع التسوية في الشرق الأوسط». وتساءلت المصادر أنه «إن لم يتوقف الاستيطان، فما الذي يبقى للتفاوض حوله لإنشاء دولة فلسطينية؟»، مؤكدة بذلك أهمية موضوع الاستيطان. وقالت إن الشعور العام هو أن «هناك ضرورة ملحة لدفع الأمور على المسار الفلسطيني وليس على المسار السوري - الإسرائيلي، والسوريون مستعدون لمعاودة التفاوض غير المباشر عبر تركيا، لكن نتانياهو يعتبر أن لا حاجة الى تركيا خصوصاً على ضوء موقفها خلال حرب غزة وأنه مستعد لمفاوضات مباشرة بلا شروط مسبقة». وأضافت أن «من مصلحة سورية وإسرائيل استئناف مفاوضات غير مباشرة». العراق وشاليت وحول العراق، أشارت المصادر الى أن الأسد أشاد برئيس الحكومة نوري المالكي الذي أقام 17 سنة في دمشق، «ولا يفرط في الإقرار بالجميل تجاه سورية... وأكد أنه مسؤول مهم ينبغي مساعدته، وفرنسا أبدت استعدادها للمساعدة وتعد لاستقبال الرئيس العراقي جلال طالباني في زيارة دولة في الخريف المقبل». وذكرت المصادر أن الحديث مع الأسد تطرق الى موضوع الجندي جلعاد شاليت وأن الإفراج عنه يفتح الباب أمام إطلاق سراح مئات الفلسطينيين المعتقلين في إسرائيل، وأن الإسرائيليين «أكدوا لنا أن المعابر لن تفتح قبل إطلاق سراحه». وأكدت أن التوافق كان تاماً على الدوام بين ساركوزي ووزير خارجيته برنار كوشنير وأن الرئيس كان زار بيروت في كانون الثاني (يناير) الماضي وأن الفريق الرئاسي رأى أنها لكانت فكرة سيئة جداً لو أن الفريق الرئاسي زار لبنان في وقت يعمل الحريري فيه على تشكيل حكومته. وعن زيارة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أثناء الحملة الانتخابية، أشارت المصادر الى أنها «لم تكن فكرة جيدة، خصوصاً أن كلينتون صرحت بأن الولاياتالمتحدة قد تخفض مساعداتها إن لم يفز أصدقاؤنا وهذا لا يتطابق مع الديموقراطية».