من البديهي أن تجد مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والتي طرحها على زعماء دول مجلس التعاون في قمتهم الثانية والثلاثين بالرياض المتضمنة تجاوز مرحلة التعاون للاتحاد القبول، بالنظر للتحديات والمخاطر التي تواجهها المنطقة، مما يستوجب -كما جاء في البيان الختامي- «ربط الصفوف وتوحيد الرؤى وحشد الطاقات المشتركة». فليس من المتوقع لمسيرة التعاون الخليجي أن تؤتي ثمارها المرجوة ما لم يتم تحديث في آليات العمل تمكّنها من القدرة على مواجهة الأزمات بدون الاعتماد على الغير، لاسيما وأنّ جارها القوي يسعى إلى بناء ترسانة من أسلحة الدمار الشامل، ويعزز قدراته التسليحية بما يفوق حاجته الدفاعية، ولقد شاهدنا يوم أمس الأول كيف كان يستعرض عضلاته عبر المناورة العسكرية التي أقامها والتي كانت تستهدف التخويف، وكرَدّ على دعوة مجلس التعاون للاتحاد، بالإضافة إلى أنّ سلوك جيرانها الآخرين لم يثبت أنه يتّسم بالانضباط - ولنا تجربة في ذلك إبّان غزو دولة الكويت الشقيقة -. وعليه فإنّ الدعوة التي أشار إليها البيان الختامي المتضمنة ضرورة تطوير التعاون الدفاعي والأمني بما يكفل التصدي بسرعة وفعالية بشكل جماعي وموحد تجاه أي مخاطر، يعدّ من أهم الأولويات التي يجب تطبيقها بشكل عاجل، إذ لم تعد هناك دولة في العالم بعيدة عن التهديدات الأمنية، ولا خوف، إذ أن المعادلات اختلفت، فلم تعد هناك دول صغرى ودول كبرى في ظل تطوّر نظام التسليح طويل المدى والعابر للقارات، وهو ما تستطيع دول مجلس التعاون امتلاكه بما لديها من إمكانات وقدرات مالية تؤهلها إلى امتلاك أحدث وأكفأ مما هو موجود لدى جيرانها (كمًّا وكيفًا). فمن الحكمة أن يوافق زعماء الخليج على «الاتحاد»، وتشكل دولهم كيانًا واحدًا يحقق الخير ويدفع الشّر، ويواجه التحديات، فذلك سيقضي على بعض السلبيات التي كانت تضعف من قوتنا، فالجار اللدود تحكمه إستراتيجية واحدة، وسياسة دفاعية واحدة، وقيادة واحدة، بينما نحن لنا إستراتيجيات متعددة، وسياسة دفاعية مختلفة الرؤى، تساهم في تأخير القرار، وتمكّن العدو من استغلال الوقت لتنفيذ مخططاته، ولذلك فإنه لابد من السعي من خلال العمل المشترك إلى الاتفاق على برامج عملية لتطوير العمل في مختلف الميادين، سياسية كانت أم اقتصادية أو حتى دفاعية، لكي نقنع الأصدقاء وكذلك الخصوم بأننا مؤهلون للعب دور الشريك الحقيقي إقليميًا ودوليًّا، ولا ينقصنا ولله الحمد ما يعترض طريقنا لبلوغ ذلك. ويجب علينا أن نضع نصب أعيننا بأنّ أمن دولنا لن يتحقق إلاّ بالاعتماد على قدراتنا العسكرية، وعلى أبنائنا، وإنّ كل (الاتفاقيات والأحلاف) إلى زوال. إننا في خليجنا نواجه أشكالًا عديدة من التهديدات تظهر بين حين وآخر، والمطامع تجبرنا على أن لا نقف على الحياد كدولة (سويسرا)، فالدول المحيطة بسويسرا رغم أنها دول كبرى إلاّ أنها تحترم ذلك الحياد، لكن الأمر هنا يختلف، فالجار لا يلتزم حتى بالمعاهدات، علاوة على أن المجتمع الدولي لا يملك أن يقف مكتوف الأيدي عما يحدث من تفاعلات في الخليج الذي تمرّ منه 40٪ من تجارة النفط العالمية. آمل، وتأملْ معي كل شعوب الخليج، بأن يأتي اليوم الذي لا نكون فيه بحاجة للاتفاقيات الدفاعية مع الدول الأخرى لضمان أمننا، وأن نكون قادرين على حماية أنفسنا، وصدّ كل اعتداء يتعرض له خليجنا العزيز على أنفسنا، ولنا في احتلال الجزر الإماراتية الذي تم في عهد (شاه إيران) عبرة، حيث لم يكن ذلك سوى نتيجة الاعتماد على القوات البريطانية، فبمجرد انسحابها عام 1971م من منطقة شرق السويس، سارع الإيرانيون إلى احتلال الجزر. فالاتحاد الذي دعا إليه (أبا متعب) حفظه الله، يعني الاعتماد على النفس، أليس في الاتحاد قوة؟!.