كان حلمه بعيداً كأحلام بعض الشباب الطامح الى التخلص من أعباء الوظيفة وقيودها، أجمل من مجرد دوام عمل وراتب يضاف الى حسابه مع بداية كل شهر. حلمه كان أجمل، كحلم الكثير من الشباب الطامح الى تأسيس مشروع صغير او متوسط، يكون مثابة نقطة البداية للتوسع والتطور والابتكار. المشاريع الصغيرة والمتوسطة هي الاكثر انتشاراً في الدول التي تتمتع باقتصاد قوي، وهي المرتكز التقليدي لنمو الاقتصاد الوطني، اذ تؤمّن أكثر من 50 في المئة من مجموع الاستخدام الخاص واكثر من 40 في المئة من الناتج القومي الاجمالي للسلع والخدمات، بحسب الدراسات. وعلى مدى العصور، اثبتت هذه المشاريع قدرتها على تقليص نسبة البطالة وتحقيق نوع من التوازن الاجتماعي والاقتصادي والتكامل مع المشاريع الكبيرة. وفي عالمنا العربي، عرفت المجتمعات اهمية هذه المشاريع وراحت تبحث عن سبل تطويرها وتهذيبها، وكانت النتيجة ارتفاعا في نسبة الاقبال على المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لكن ما الذي يحتاجه شبابنا بعد لابتكار مشاريع خلاقة تعود بالنفع عليهم وعلى مجتمعاتهم؟ ألم يحن الوقت بعد لايجاد هياكل تنظيمية وجهات حكومية وخاصة تأخذ بيد الشباب نحو تحقيق طموحاتهم بتأسيس مشاريع مبتكرة؟ نعم، إننا نشهد بوادر أمل في الكثير من الدول العربية والخليجية من خلال المؤسسات الداعمة لهذه المشاريع والتي تقدم خدماتها الاستشارية، ودراسات الجدوى، وخدمات التدريب، وتشكيل الفريق، والموارد التمويلية وغيرها. إلا اننا في حاجة الى تعميم ثقافة المشاريع الصغيرة والمتوسطة بين جيل الشباب، حتى لا يكون حلم السواد الاعظم منهم هو الالتحاق بوظيفة حكومية، او الانتساب الى السلّم الوظيفي في إحدى المؤسسات الكبرى وحسب. ولو نظرنا إلى مساهمة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الاقتصادات العربية، فهي على سبيل المثال تتراوح نسبتها بين 70 و 80 في المئة في الاقتصاد المصري، وتساهم ب 60 في المئة من الناتج المحلي لدولة الامارات العربية المتحدة التي تسعى الى زيادة نسبة المشاريع والمنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى 94 في المئة، يبرز واضحاً أهمية تشجيع الشباب على خوض غمار استثمار اموالهم في المشاريع الصغيرة والمتوسطة. من جانب آخر، فإن المشاريع الصغيرة في الولاياتالمتحدة تشكل 97 في المئة من اجمالي المشاريع الاميركية وتساهم في نحو 34 في المئة من الناتج القومي الاجمالي الاميركي وتساهم في خلق 58 في المئة من فرص العمل المتاحة في اميركا. إن هذه الارقام بادرة أمل تفتح الباب واسعا امام أهمية التركيز على بلورة مزيد من هذه المشاريع وتنويع قطاعاتها حتى لا ينجح المسؤولون في حل مسألة تأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة من جهة ويواجهون مشكلة أحادية القطاعات، من جهة ثانية. وفي وقت نتمنى ان تعمل مؤسسات القطاعين العام والخاص على تشجيع الاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فإن شبابنا يتحمل جزءاً من مسؤولية الإقبال على هذا النوع من المشاريع. فالاطلاع والتعلم من تجارب الآخرين والبحث والمعرفة هي من أهم عوامل اختيار أي مشروع كان، فالعالم المعولم اليوم لم يعد يرضى بأنصاف الحلول وأنصاف الجودة، لذلك فإن الإبداع والتخطيط السليم والمعرفة من أهم عناصر نجاح هذه المشاريع. * نائب الرئيس التنفيذي لتطوير العمليات والتسويق في «المزايا القابضة»