حصول حزب «النور» السلفي على المرتبة الثانية بعد حزب «الحرية والعدالة»، الوجه السياسي لجماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، لم يكن مفاجئاً للذين يعرفون حضور التيار السلفي في الشارع المصري. لكن المستغرب ان بعض النخب الذي ينادي بالديموقراطية اعتبر وصول السلفيين الى مقاعد البرلمان انتكاسة للديموقراطية في مصر، فضلاً عن انه يحاكم هذا التيار من خلال صورة رُسِمت له خلال العقدين الماضيين، ويتجاهل ان معظم رموز هذا التيار لوَّح بالقدرة على التماهي مع وضع المجتمع، وقَبِل صراحة بأن يتولى المسيحي حكم مصر إذا اختاره الناس. الصورة التي يروّجها خصوم السلفيين في الإعلام اليوم انهم لا يؤمنون بالديموقراطية، ويرفضون فكرة الأحزاب لأنها مرادف للفرقة بين المسلمين، ويقفون ضد دور المرأة في العمل العام، ويحرّمون الفن، ولا يملكون رؤية اقتصادية، ولديهم موقف متشدد من البنوك، ويكرهون الغرب، والسياحة، ومتزمتون متمسكون بالماضي. لا شك في ان خصوم السلفيين يبالغون في تشويه صورتهم، ويتجاهلون قضية مهمة هي ان السلفيين يؤمنون بثنائية الشيخ والسياسي. وهم على عكس التيارات الأخرى الإسلامية التي تريد ان تلعب دور الشيخ والرئيس في آن... فضلاً عن ان تجربة السلفيين في دولة مثل السعودية تفنّد معظم هذه المخاوف. فالسعودية اليوم هي أكثر الدول العربية انفتاحاً على الغرب، واقتصادها يقوم على نظام السوق، وصناعة السياحة فيها تتطور. وعلى رغم انها دولة قامت على حركة سلفية، فإنها تفرّق بين الاجتماعي والاقتصادي، ولا تفرض على المجتمع اموراً لا تقرّها الاكثرية، ناهيك عن ان تجربة المصارف الإسلامية التي أصبحت تشكل منتجاً تتسابق عليه المصارف التقليدية، انتعشت في السعودية، من دون أن تؤثر في حركة البنوك التجارية، وهي أصبحت اليوم تدرّس في الجامعات الغربية. الأكيد ان السلفية متشددة في العقيدة، وترفض تقديس الخرافات، لكنها شديدة الانفتاح والمرونة في فقه المعاملات والتجارة والبيوع، وهي شُوِّهت من خصوم سياسيين للسعودية، ناهيك عن نزق الجماعات الجهادية التي تنسب الى السلفية. ووصول السلفية الى دوائر الحكم في مصر ربما ساهم في تغيير النظرة الى الإسلام، فهي منهج اسلامي اصيل، وليست شعاراً سياسياً صُدِّر، فضلاً عن ان وصولها تعبير عن رغبة الناس، وهذه هي الديموقراطية.