لندن، كابول – أ ف ب، رويترز، يو بي آي - هيمن سؤال محوري حول مصير الوضع المستقبلي لأفغانستان بعد انسحاب قوات الحلف الأطلسي (ناتو) منه نهاية عام 2014، على المؤتمر الدولي الخاص بهذا البلد الذي افتتح في بون أمس، وذلك بعد مرور 10 سنوات على المؤتمر الأول، فيما تركت مقاطعة باكستان للمؤتمر، احتجاجاً على مقتل 24 من جنودها في غارة جوية نفذتها مروحيات «أطلسية» قدِمت من أفغانستان، فراغاً كبيراً لم يملأه حضور حوالى ألف ممثل ل 85 دولة ومنظمة دولية وإقليمية، خصوصاً أن إسلام آباد تضطلع بدور مركزي في أفغانستان. إلى ذلك، نقلت صحيفة «بيلد» عن تقرير لجهاز الاستخبارات الألماني «بي إن دي» أن الرئيس كارزاي يخطط لتعديل دستور بلاده من أجل السماح لنفسه بالترشح لولاية رئاسية ثالثة بعد 2014. وأورد التقرير أن «كارزاي ينوي لهذه الغاية إجراء تعديلات في حكومته، استهلها بمشاورات أولية مع سياسيين أفغان نافذين». وتقدمت لائحة المشاركين في مؤتمر بون المستشارة الألمانية أنغلا مركل ووزير خارجيتها غيدو فسترفيلي والرئيس الأفغاني حميد كارزاي والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ونظيرها الروسي سيرغي لافروف، إضافة إلى 50 وزير خارجية آخرين. وفيما بدا واضحاً أن المؤتمر لن يخرج من إطار تأكيد استمرار الدعم المبدئي لأفغانستان، مع إحالة المسائل التفصيلية إلى مؤتمر آخر ستستضيفه طوكيو في تموز (يوليو) المقبل، تعهدت مركل في كلمة الافتتاح مواصلة تقديم مساعدة طويلة الأمد لأفغانستان بعد انسحاب القوات الأجنبية من أراضيها. كما وعدت بعدم التخلي عن برامج تأهيل قوات الأمن الأفغانية، ومواصلة عملية البناء والإعمار ودعم مشروع المصالحة مع حركة «طالبان» وتطوير اقتصاد البلد. وشددت مركل على أهمية تنفيذ كابول مهماتها على صعيد مكافحة الفساد وتجارة المخدرات وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين، وقالت إن «المجتمع الدولي يستطيع تأمين المساعدات المرغوب بها، لكن حلّ النزاعات في البلد يجب أن يأتي من الأفغان أنفسهم». وردد الكلام ذاته وزير الخارجية الألماني فسترفيلي والذي لفت إلى أن جيش بلاده سيبدأ نهاية العام الحالي في سحب تدريجي لقواته التي يقدر عددها بخمسة آلاف عنصر. وحض الحكومة الأفغانية على إجراء مزيد من الإصلاحات، كاشفاً أن حكومته أجرت اتصالات مع إسلام آباد في شأن المؤتمر ونتائجه. ولا شك في أن الغرب يريد الاستفادة من الدروس الخاطئة في الماضي، حين رفض مواصلة دعم أفغانستان وجيشها بعد انسحاب القوات السوفياتية منها، ما تسبب في اندلاع حرب أهلية، وسيطرة «طالبان» التي تشكلت في باكستان على النظام في كابول لاحقاً. وشكر كارزاي في كلمته المجتمع الدولي على المساعدات التي قدمها لبلده حتى الآن، لكنه أكد حاجة أفغانستان إلى دعم حتى عام 2024 على الأقل، «إذ أن الديموقراطية الأفغانية لا تزال هشة، على رغم تحقيق نجاحات عدة في السنوات الماضية أهمها في مجال إعادة الإعمار». وزاد: «ندعو المجتمع الدولي خصوصاً حلفاءنا في الحلف الأطلسي إلى الاستمرار، وتكثيف تدريب قواتنا وتزويدها معدات كي تتعزز قدرتها على الدفاع عن سيادة بلادها وحماية مواطنيها. ونحن مصرون على عدم سقوط أفغانستان مجدداً أبداً في أيدي من سيحولونها إلى مصدر تهديد وضرر للآخرين». واعترف كارزاي بسوء الوضع الأمني في بلاده، والذي يفاقم المصاعب الكبيرة التي تواجهها حكومته، علماً انه انتقد «فرار» من اسماهم بأنهم «متطرفون» إلى خارج أفغانستان، في إشارة ضمنية إلى باكستان. وفيما تغيبت «طالبان» عن المؤتمر، نفذ كارزاي مبادرة تجاهها بإعلانه أن «العملية السياسية ستستمر في الانفتاح على طالبان» التي كانت تبنت اغتيال رئيس المجلس الأفغاني للمصالحة الوطنية الرئيس السابق برهان الدين رباني. مساعدات أميركية وأعلن وزير المال الأفغاني عمر زخليوال أن خطط تمويل بلاده تحتاج إلى سبعة بلايين دولار سنوياً من المجتمع الدولي لتمويل، قبل أن تكشف وزيرة الخارجية الأميركية كلينتون في المؤتمر أن بلادها ستفرج عن مئات ملايين الدولارات المجمدة لمساعدة التنمية في أفغانستان. أما الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون فأكد ضرورة مكافحة الفساد وتهريب الأفيون والدفاع عن حقوق النساء. وكانت الولاياتالمتحدة جمدت مساعدة تتراوح قيمتها بين 650 و700 مليون دولار سنوياً اثر قرار صندوق النقد الدولي في حزيران (يونيو) وقف برنامجه لمساعدة هذا البلد بسبب عمليات اختلاس أموال وتفشي الفساد في بنك كابول، أكبر المؤسسات المالية الأفغانية والذي أعيدت هيكلته منذ حينها. وفي لهجة مختلفة عن مركل وكلينتون، أبدى وزير الخارجية الروسي لافروف تشاؤمه من الوضع في أفغانستان والذي وصفه بأنه «مقلق»، في ظل تزايد الهجمات التي تتعرض لها القوات الأجنبية باستمرار، إلى جانب المشاكل السائدة على الحدود بين أفغانستانوباكستان. بدوره، أكد وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي معارضة بلاده وجود قوات أجنبية في أفغانستان بعد 2014، معتبراً أن استمرار نشر هذه القوات «لن يساعد في استقرار أفغانستان، علماً أن الوجود العسكري الأجنبي فشل خلال السنوات العشر الماضية في اقتلاع جذور الإرهاب من أراضيها، وزاد المشكلة سوءاً»، علماً أن واشنطنوكابول لم تتوصلا حتى الآن إلى اتفاق يسمح ببقاء بعض القوات في أفغانستان بعد 2014. وندد صالحي بما وصفه بأنه «انتهاك حقوق الإنسان من القوات الأجنبية في أفغانستان، وبينها شن هجمات على مناطق سكنية». بريطانيا و «استثمار الدم» وفي لندن، أكد قائد القوات البريطانية في أفغانستان الجنرال جيمس بوكنال ضرورة حصول انسحاب الغربيين من هذا البلد في موعده كي يأتي «استثمار الدم» في هذا البلد بنتائجه على المدى الطويل. وقال لصحيفة «ذي غارديان»: «بعد هذا الاستثمار بالدم، أصبحت أكثر تصميماً»، مستبعداً أن تستعيد «طالبان» السيطرة على أفغانستان بعد انسحاب قوات التحالف الدولي، «علماً أن لجوء مقاتلي الحركة إلى سياسة الاعتداءات والإرهاب يظهر أنها باتت قوة ضعيفة عسكرياً». وأضاف: «قتل 140 أفغانياً هذه السنة، فيما نقضي على بين 130 و140 قيادياً من الرتب الوسطى في طالبان شهرياً. وفعلياً فقدت الحركة السيطرة على معقلها، ولا دليل على تنامي تأثيرها في أي مكان من أفغانستان». وأشار إلى أن كابول عاصمة تشهد ازدهاراً، وتعتبر أكثر أمناً من كراتشي»، بينما أقرّ بارتكاب أخطاء وإعطاء وعود متكررة خلال العقد الماضي من دون أن تتحقق، مشيراًَ إلى أنه «يتفهم أسباب نفور السياسيين والجمهور وحتى قادة القوات المسلحة في بريطانيا من الحرب في أفغانستان». ميدانياً، قتل 26 متمرداً واعتقل 27 آخرون خلال عمليات مشتركة بين القوات الأفغانية ونظيرتها في حلف الأطلسي (الناتو) في ولايات لقمان وهلمند وبلخ وغاوني وزابول وقندهار. وأعلنت وزارة الداخلية أنها صادرت كميات من الأسلحة، بينها أسلحة رشاشة من طراز «أي كي – 47» وقاذفات صواريخ ومسدسات آلية وعبوات ناسفة، مشيرة إلى سقوط جنديين أفغانيين اثنين وجرح 5 آخرين خلال العمليات.