ودّع العالم أحد أكبر نجوم كرة القدم البرازيلية والعالمية سقراطيس، هذا الطبيب الذي فضّل الاستسلام لمهاراته الكروية عوضاً عن مزاولة مهنته الأصلية، واللاعب الذي نشط على الساحة السياسية لنصرة القضايا التي اعتبرها عادلة. فقد أعلن الأحد عن وفاة سقراطيس عن عمر 57 سنة بسبب إصابته بالتهاب معوي حاد أدخل على أثره إلى مستشفى البرت اينشتاين في ساو باولو السبت. وكان أدخل أيضاً إلى قسم الطوارىء في 5 أيلول (سبتمبر) الماضي أيضاً ثم إلى وحدة العناية الفائقة لعدة أيام، قبل أن يخرج منها. وذكرت الصحافة البرازيلية وقتذاك أن سقراطيس في حالة هزال وسيتبع نظام حمية قاس جداً. وسبق أن إعترف علناً بأنه يشرب الكحول بكثرة لكنه تعهّد وقفها نهائياً، فيما أشارت زوجته كاتيا بانياريلي إلى إحتمال اجراء عملية زرع في كبده في حال زادت حالته سوءاً. سقراطيس هو الطبيب الذي لم يمتنع عن الإستمتاع بالتدخين وتناول الكحول، والرجل الذي رأى بفيدل كاسترو وتشي غيفارا ونجم البيتلز جون لينون القدوة بالنسبة اليه. إنه أب لستة أولاد امضى فترة تقاعده بكتابة المقالات الشغوفة إن كان حول الرياضة أو السياسة أو الاقتصاد. فضّل سقراطيس الاهتمام بدراسته أولاً ونال شهادته في طب الأطفال، ثم تفرغ للكرة وهو في الرابعة والعشرين، وإستطاع أن يثبت أنه قادر على التفوق في الرياضة على غرار تفوقه في الدراسة، وبالفعل أصبح حالة خاصة في عالم الكرة الذي دخله متأخراً إلا أنه لمع فيه ونجح بامتياز بفضل شخصيته وحكمته، وطبعا فنياته وموهبته فلقّب ب"الدكتور" و"الفيلسوف". وكان سقراطيس يفضّل إمتاع الجماهير على الفوز، ولانه رجل ذو مبدأ ضحى بمسيرته الإحترافية في الدوري الإيطالي، الذي وصل اليه عام 1984 في صفوف فيورنيتا، وذلك بسبب المقاييس المادية التي تطغى على ال"كالتشيو" وتفضيل الأندية للنتائج على حساب الفرجة. ولم يفكّر طويلاً قبل أن يعود أدراجه إلى البرازيل، حيث وضع أمام إمتحان آخر، كان سياسياً هذه المرة بسبب نظام الحكم الديكتاتوري في البلاد. وكان اللاعب الوحيد الذي يبدي معارضته صراحة لما تعيشه بلاده من قهر وغياب للديموقراطية، وقاد مسيرة "دمقرطة" نادي كورينثيانز الذي كان يلعب له. قال "بقيت في ميدان كرة القدم فقط من أجل أخذ الثقل السياسي، لمحاربة المجتمع القمعي الذي يقوده الجيش". لم يكن هناك أحد يقدر على الكلام بهذه الصراحة وأمام الملأ الا "الفيلسوف" إبن أحد العائلات البرازيلية المتوسطة من شمال البلاد. وهو بدأ مزاولة رياضته المفضلة في أحد أندية المنطقة المتواضعة، غير أنه فضل مواصلة دراسته في الطب على الكرة، وكان له ما أراد وحصل على دبلوم طب الأطفال عام 1979، ثم عاد إلى الميدان الذي عشقه منذ الصغر. هذا اللاعب العملاق صاحب الطول الفارع (1.92 م) كان يقدر على فعل كل شيء، فكان مفكراً جيداً في طرق اللعب، ومنظماً لا يضاهى، وكذلك يستطيع تسجيل الاهداف، وتمكن من تسجيل 168 هدفاً في 302 مباراة خاضها مع نادي كورينثيانز خلال خمسة مواسم، وقاد ناديه إلى التربع على عرش الكرة في أميركا الجنوبية. كما كان سقراطيس أحد منظري المنتخب البرازيلي، وبرز في صفوفه بقوة، وأدى معه أحسن مباريات مسيرته الرياضية التي لم يدم الا تسعة أعوام. بدأ سقراطيس مشواره مع المنتخب في 23 آب (أغسطس) 1979، خلال مباراة دولية ودية ضد الأرجنتين، حيث تمكن من تسجيل هدفين، وبدءاً من العام 1980 قدّم له المدرب تيلي سانتانا شارة قائد الفريق، وهذا لم يكن اختياراً بقدر ما كان واجباً. وفي نهائيات كأس العالم 1982 في إسبانيا كان الجميع يرشح البرازيل للفوز باللقب، الا أن المنتخب الإيطالي فوت هذه الفرصة على سقراطيس وزملائه على رغم تألقهم. وكانت مباراتهم أمام الاتحاد السوفياتي إحدى أفضل المباريات في هذا المونديال، حيث تمكن السوفيات من التقدّم بهدف، وفي آخر اللقاء عدّل سقراطيس النتيجة قبل أن يضيف ايدير هدف الفوز لمنتخب بلاده في الثواني "القاتلة" من المباراة. وفي عام 1986 وافق هذا "الرجل الغريب"، الذي يعتبر الكرة وسيلة للمصالحة بين الناس، على الانتقال الى ايطاليا للعب في صفوف فيورنتينا، غير أنه وفور وصوله الى هناك لم يستطع تحمل ضغط الكالتشيو، واقتنع أن هذا العالم ليس عالمه وقرر العودة الى بلده حيث أكمل مشواره مع نادي فلامينغو. كما شارك مع منتخب بلاده في نهائيات كأس العالم 1986 التي أقيمت في المكسيك، والتي خرج منها من الدور ربع النهائي على يد فرنسا بعد مباراة لا تزال عالقة حتى الآن في ذاكرة متتبعي الكرة، وتعتبر من بين أفضل المباريات في القرن الماضي. وغادر سقراطيس عالم الكرة فجأة في نيسان (أبريل) 1987 وفضّل التفرغ لمهنته، معلناً بذلك نهاية مشوار فيلسوف ذو مبدأ مارس ذات يوم الكرة بأمانة وإخلاص بعيداً من الحسابات المادية التي صارت تلوّث سماء هذه الرياضة، لكنه لم يبتعد كثيراً فعاد ودافع عن ألوان سانتوس (1988-1989) ثم بوتافوغو مجدداً (1989)، قبل أن يعتزل لنحو 15 عاماً ثم يعود إلى الملاعب عام 2004 كمدرب ولاعب ولمدة شهر فقط مع فريق إنكليزي من الدرجات الدنيا (غارفورث تاون). * نبذة ومسيرة الاسم: سامبايو دي سوزا فييرا دي اوليفيرا، ملقب بسقراطيس تاريخ ومكان الولادة: 9 شباط (فبراير) 1954 في بيليم (البرازيل) تاريخ الوفاة: في 4 كانون الأول (ديسمبر) 2011 في مستشفى ألبرت اينشتاين في ساو باولو المركز: لاعب وسط أو مهاجم الأندية التي لعب لها: بوتافوغو (1974-1978) وكورينثيانز (1978-1984) وفيورنتينا الايطالي (1984-1985) وفلامنغو (1986-1987) وسانتوس (1988-1989) وبوتافوغو مجددا (1989) وغارفورث تاون الإنكليزي (2004). - على الصعيد الدولي: خاض 60 مباراة سجل خلالها 22 هدفاً الإنجازات: توّج بطلاً لولاية ساو باولو مع كورنثيانز أعوام 1979 و1982 و1983 توّج بطلاً لولاية ريو دي جانيرو عام 1986 مع فلامنغو توّج بطلاً لكأس ريو عام 1986 مع فلامنغو