لا يشبه غضب «الطلاب» الإيرانيين الذين اقتحموا سفارة بريطانيا في طهران وحرقوا ودمّروا، سوى غضب سوريين يناصرون النظام ومحاصرتهم سفارات خليجية، إثر قرار جامعة الدول العربية معاقبة هذا النظام لتجاهله الإنذارات ومبادرة إرسال بعثة للمراقبة في سورية. ومثلما هناك من يشبّه تنصّل طهران من الغاضبين بتنصّل دمشق من الحملة على سفارات دول خليجية بينها قطر التي ترأس اللجنة الوزارية العربية المكلّفة ملف أزمة آلة القتل في سورية... يتردد همس كثير عن اقتراب حلقة القيادة السورية من حال اضطراب الأجنحة في القيادة العليا للجمهورية الإسلامية في إيران. وهي إسلامية لم تبرر يوماً طبيعة تحالفها مع نظام في دمشق يجاهر ب «علمانية»، فيما هو لا يبرر ايضاً ارتماءه في حلف «استراتيجي» مع أجنحة إيرانية بعضها يدّعي تمويل «إخوان مسلمين» في «ربيع» المنطقة، و «الإخوان» أول الألداء ل «البعث» السوري. في الحالين تُعمِل الأيديولوجيا قصفاً على الكيان الصهيوني الغاصب الذي تحقق له الاكتفاء لتبرير وجود من يهدده، فيما الطحن في سورية آلة قتل في الداخل لإحباط «مؤامرة الإسلاميين الإرهابيين»، وفي إيران آلة القنبلة النووية للتصدي ل «المؤامرة الشيطانية» الغربية على الجمهورية الإسلامية. تدخل سورية مرحلة الحصار العربي – الدولي، تقترب إيران من خيار العزلة، بل تفتعل مواجهة مع بريطانيا، كأنها تستدرج الغرب إلى قطع كل خيوط الحوار، رداً على تشديد العقوبات الأميركية – الأوروبية. وإذا كانت دمشق محت أوروبا عن الخريطة، كما محت طهران إسرائيل، فالسؤال لا بد أن يكون حول دور العراق ك «ملعب إيراني» في تغذية رئتي النظام السوري، بعد الانسحاب الأميركي من بلاد الرافدين. ... ولا بد أن يكون ايضاً حول مغزى «الغضب» الإيراني الطارئ، إن لم يرفع سور عزلة لحجب المرحلة الأخيرة من صنع القنبلة الذرية. فالكلفة في هذه الحال مبرَّرة لأجنحة المحافظين المتشددين، فيما يتداعى افتراض ان اقتحام سفارة بريطانيا، سيشتت جهود الغرب في حملته السياسية – الاقتصادية لقطع أوردة النظام السوري. يحتفي الأميركي بصفحة جديدة مع العراق، يحتفي الإيراني بمرحلة جديدة في «الملعب»، فيما التركي الذي تراجع عن استبعاد التدخل العسكري (الغربي) في سورية، يستعد لكل السيناريوات... إلا الصدام المباشر مع الجيش الإيراني. الاستثناء ذاته لا يقود إلا إلى استنتاج تدخل تركي بعباءة «أطلسية» جوية، منطقة عملياتها لحماية المنطقة العازلة في سورية على الحدود مع جمهورية أردوغان الذي نفض يديه عرّاباً لمبادرة جوار قبل تعريب الحل. وإذ وأدت آلة القتل تعريب الحل، لن يجد الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي كثيرين يشاطرونه التفاؤل بأن المخرج لن يكون إلا تحت مظلة الجامعة. فحين يفنّد كل ما يدلي به وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي اتهم الجامعة بحشر دمشق في المربع المستحيل، كيف يبقى أمل بفرصة بعد الفرصة الأخيرة؟ وحين تتوالى التحذيرات الفرنسية من كارثة في سورية، هل تبقى الممرات الإنسانية مجرد مطالب في العلن، للتبرؤ مما يعتبره الغرب «مجازر» تُرتكب بذريعة مطاردة «العصابات المسلحة»؟ من «الملعب» وملء الفراغ، إلى ساحة المواجهة، من دجلة إلى العاصي، تحلم طهران ب «هلال القنبلة»، تحلم دمشق بصمود الرهان على حليفها الوحيد. وحدها أنقرة لا تتردد في إعلان طلاق بائن مع عهد الأوهام، وتستعد لحل مُكلِف على «خطوط التماس الطائفية». صحيح أن حرباً وحّدتها مع طهران لمنع مشروع دولة كردية، لكن الصحيح أيضاً ان تركيا في عهد إسلاميي «حزب العدالة والتنمية» أو من دونهم، لا يمكنها التعايش مع «امبراطورية» إيرانية أبوابها في طهران وقم، ونوافذها في البصرة وعلى نهري دجلة والعاصي، وشواطئ اللاذقية وبيروت. لا يملك العرب سوى انتظار المستحيل، أي وقف القيادة السورية الاجتياحات العسكرية الجوّالة لمدن الثورة وقراها. وإن كانت الوقائع ترجح تشبيه رهانهم برهان الغرب وأميركا تحديداً خلال 3 سنوات على شَقّ التحالف السوري – الإيراني، فما يرشح عن بوادر أمل بفرط عقد الحلقة العليا للقيادة في دمشق، صنوه الكامل أوهام قديمة – جديدة حول انفجار وشيك لصراع الأجنحة في طهران. ومثلما انتهت الى النقطة صفر مفاوضات الغرب مع إيران لتسوية أزمة البرنامج النووي، لا يبدو أن لدمشق هدفاً مع مبادرة الجامعة العربية وعقوباتها، إلا الصفر ذاته. من دجلة الى العاصي، فصل جديد من الصراع على المنطقة وعلى سورية، يقلّب صفحاته بدماء عربية.