تباينت آراء الخبراء العراقيين في مستقبل اقتصاد بلدهم، بعد رحيل القوات الأميركية نهاية السنة. وعلّق بعضهم آمالاً على حسن قيادة الحكومة واستغلال العقول الاقتصادية الكفوءة لتحل محل من أتت بهم المحاصصة السياسية لإدارة هذا الملف الحساس، فيما وصف خبراء آخرون المشهد الاقتصادي ب «الفوضوي». ويعاني العراق منذ العام 2003 مشكلة صراع سياسي داخلي بهدف السيطرة على الوزارات السيادية، بخاصة النفط، فضلاً عن صراع آخر بين الحكومة المركزية وحكومة كردستان على محافظة كركوك، التي تملك ثلث النفط العراقي، وثالث مع المحافظات على صلاحيات تنفيذ المشاريع، ناهيك عن مشاكل أخرى تتعلق بالبطالة التي تتجاوز بحسب تقارير الأممالمتحدة، 30 في المئة من المواطنين، الى غياب وجود بنى تحتية، وملف الديون الخارجية الذي لم يحسم بعد، وملف التعويضات وتفشّي الفساد في أغلب قطاعات الدولة. وأوضح الخبير الاقتصادي الأكاديمي باسم أنطوان في حديث الى «الحياة» حول مستقبل الاقتصاد العراقي بعد رحيل القوات الأميركية، ان «العراق يعتمد على بيع نفطه ولا يمتلك أي مصادر دخل قومي أخرى ، فالنفط هو مصدر تمويل موازناته العامة السنوية التي ارتفعت تدريجاً من 30 بليون دولار عام 2005 إلى 115 بليوناً مرتقبة للعام المقبل. وأشار إلى إن «رحيل القوات الأميركية لا يعني توقّف التأثير الاميركي على الجانب الاقتصادي، فهناك اتفاق الإطار الإستراتيجي الذي يربط العراق اقتصادياً وتجارياً وثقافياً وسياسياً بأميركا». وأضاف: «دليل استمرار التأثير الأميركي على الجانب الاقتصادي سيستمر عبر سفارتها في بغداد التي أعلنت أنها ستنفق في العام المقبل 6 بلايين دولار لتطوير بعض المشاريع». وتابع: «الانتعاش الاقتصادي العراقي مرهون بحجم الاستثمار الأجنبي الخارجي، وهذا القطاع مرهون بالملف الأمني، فالاستقرار الأمني يعني انتعاشاً اقتصادياً اكبر ومستثمرين أكثر، أما إذا ساء الوضع الأمني وعادت سيطرة الميليشيات والمسلحين وغيرها، فهذا يعني ان الشأن الاقتصادي العراقي سيتدهور في شكل كامل». وعن تأثير دول الجوار على الشأن الاقتصادي العراقي، اوضح ان «الجميع ينظر لهذا الأمر على انه المشكلة الأكبر في ظل وجود القوات الأميركية داخل العراق، وستتعاظم المشكلة بعد رحيلهم، لان بعض دول الجوار انتعشت صناعياً وزراعياً وتجارياً على حساب مشاكل العراق، والدليل على ذلك، وفقاً لتصريحات مسؤولين سوريين، ان 50 في المئة من الصناعة السورية والمنتجات الزراعية تصدر إلى العراق، ووصل حجم التبادل مع تركيا إلى 13 بليون دولار، ما يعني أن ضمور أي قطاع اقتصادي عراقي سيكون لمصلحة دولة من دول الجوار، فان سلّة الغذاء العراقية تعتمد بما نسبته 85 في المئة على منتجات دول الجوار». ولفت الى ان الاحتياط النفطي العراقي، بحسب الدراسات، يكفي العراق نحو 163 سنة، اي انه انه سيكون مطمعاً للكثير من الدول التي ستسعى حتى إلى التحكم بالسياسة الداخلية للبلاد. وعن كيفية إدارة الملف الاقتصادي، أوضح أنطوان أن «البلد يملك عقولاً اقتصادية لا يستهان بها، سواء في الداخل أو الخارج، لكن مشكلتنا هي إن هذه الكفاءات لم يفسح لها المجال للعمل». ورأى ان أهم المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد العراقي، «عدم وجود استراتيجية مدروسة وواضحة وخطط يمكن السير عليها، كما أن القائمين على الحكومة لم يستغلوا الفرصة لتقوية القطاع الخاص الذي يمكن إن يمارس دوره في التنمية الاقتصادية، كما ان القطاعات الصناعية والزراعية شبه مشلولة». إلى ذلك، اوضح عميد كلّية الإدارة والاقتصاد في «جامعة ديالى» مهدي صالح الدواي، ان «انسحاب القوات الأميركية من العراق هو مسألة سياسية، في حين ان الاقتصاد شأن مختلف، لكن كلاهما يكمل الآخر». وتابع: «نحن كخبراء اقتصاد متشائمون من بعض الأمور، والعكس صحيح، فالعراق بدأ ينفتح على العالم عبر استثمارات وعقود مع شركات نفطية كبيرة، وما يعزز الوضع هو الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها العالم، بخاصة أميركا وأوروبا». واضاف: «ما نخشاه بعد الانسحاب هو تأثيرات أو تداعيات الشأن السياسي واستمرار الجدل بين الكتل السياسية، الذي يدخل الخوف لدى المستثمرين، فعلى البرلمان والحكومة التنفيذية استغلال الفرص المالية المتاحة». وزاد: «هناك خطوات ناجحة تحققت على صعيد نمو الصادرات النفطية العراقية، كما ان القدرة التصديرية تتحسن، وهذا سينعكس إيجاباً على الدخل القومي ويجب إن ينعكس على التنمية في كل القطاعات، إذ «لدينا خبراء لإدارة هذه الملفات، لكن للأسف لا الحكومة ولا البرلمان يستعينان بهم». وشدد على أهمية توظيف العامل السياسي لخدمة الاقتصاد. واوضح ان المشهد الحالي للاقتصاد العراقي تغلب عليه الفوضى بفعل سوء إدارة الملف داخلياً وتأثيرات دول المنطقة التي تريد الإبقاء على عراق ضعيف اقتصادياً، وان يبقى سوقاً لمنتجاتها ، ما أثر على كل قطاعاته الإنتاجية المحلية.