يتشارك كثيرون في الكثير من الأشياء، غير أن الاختلافات بينهم كبيرة، فتفكيرهم متباين ولديهم قيم وأهداف مختلفة، بل متنافسة أحياناً، وتنشأ الصراعات طبيعياً من هذه الاختلافات. لكن لماذا يدخل المختلفون في صراعات إذا سلمنا بأن فوائد الاتفاق أكبر بكثير مرحلياً ومستقبلياً من الخلاف والاختلافات، بمعنى في حال التوصل إلى حل وسط لإنهاء الخلافات، حتى وإن استدعى ذلك تقديم كل طرف تنازلات «اتفاقية» لهدف الالتقاء عند نقاط يمكن البدء من خلالها. لماذا لا نبدأ. ويا لها من خسارة أن تؤدي الاختلافات إلى ضياع فرصة دفعهم نحو أقل قاسم مشترك واعتباره حلاً للمشكلة، ويا لها من مشكلة! وخسارة أن نفشل في إطلاق العنان لمبدأ التعاون الخلّاق من أجل التوصل إلى حلول للمشكلة أفضل بكثير مما يتصوره كلا الطرفين. أعجبني جداً وصف أطلقه الإعلامي ناصر اللحام حين وصف من هم ضد المصالحة ب «حزب القلق». نقول إن حزب القلق نتيجة تمسكه بالانقسام أو اللامصالحة واللانقسام، إنما يعمل على إضعاف الموقف الفلسطيني عربياً ودولياً وإعطاء إسرائيل كل المبررات التي أتاحت وتتيح لها ممارسة الأعمال العدوانية في الضفة الغربية وغزة على حد سواء. لقد شكل التوقيع على اتفاقية المصالحة عامل صدمة لحزب القلق لأن الحدث نفسه كان مفاجأة كبيرة حتى للقيادات الفلسطينية التي لم تكن تتصور أنه سيتم القبول بالمصالحة بهذه السرعة. بل حتى أعضاء الحركات والتنظيمات ومن يشكلون الصفوف الأولى كانوا في تساؤل حول «ماذا يحدث أو سيحدث». وظهر أيضاً أن حزب القلق ليس وحده من صُدم بل إن إسرائيل كانت من أكثر المتضررين من اتفاقية المصالحة إذ عمدت قيادتها فوراً إلى رفض ما تم التوصل إليه بين فتح وحماس وإلى تهديد الرئيس محمود عباس بوقف المفاوضات وبعرقلة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، متهمة حماس بأنها ضد السلام وبأنها «منظمة إرهابية تؤمن بالعنف». أما الولاياتالمتحدة فصدر عنها موقف مقتضب لمّحت فيه إلى أنها لا تعترف إلا بالسلطة الوطنية الفلسطينية وأنها ستعيد النظر في المساعدات التي تقدمها للفلسطينيين في حال تشكيل حكومة جديدة. الآن وبعد ستة أشهر من توقيع المصالحة «بلا تطبيق فعلي» ظهر جلياً للقيادة الفلسطينية أن إسرائيل مبرمجة فقط على الاستيطان والإمعان في تفريغ السلطة من محتواها السيادي ومستقبلها السياسي وأن الولاياتالمتحدة أظهرت العداء المباشر لخطوة القيادة حين توجهت لطلب عضوية فلسطين في الأممالمتحدة لكنها قامت بكل ما تملك ليكون قرار لجنة العضوية في الأممالمتحدة «لا» للدولة الفلسطينية. وبالتالي تم تنفيذ الشق الأول من التهديد الإسرائيلي فالسرطان الاستيطاني يتمدد بلا توقف، وإفشال مساعي الحصول على الدولة قد تم، ودخلت السلطة أيضاً في أزمات مالية أثرت في رواتب الموظفين وبعض مشاريع السلطة التنموية والاقتصادية. إن الجماهير الفلسطينية تطالب بإنهاء الانقسام الداخلي والشروع في تنفيذ بنود المصالحة ونحن على ثقة في حزب تطبيق المصالحة بأن القيادة الفلسطينية تدرك جيداً أن الأميركيين لا يملكون أي نية لإرغام إسرائيل على إعادة الحقوق الفلسطينية أو عدم الوقوف في وجه الديبلوماسية الفلسطينية. وأيضاً يدركون أن إسرائيل تمارس سياسة المماطلة والتسويف والعنجهية لغرض الهروب من المشاكل الداخلية وأيضاً لاستمرار المد السرطاني الاستيطاني خصوصاً في القدس. الدول المانحة ستقف مع حزب القلق ضد حزب المصالحة وتلوّح أو تهدد بأنها لن تستطيع الإيفاء بالتزاماتها «لأسباب وهمية» وبذرائع معروفة. أمام كل هذا نقول لكل من هو في «حزب القلق» إن «حزب تطبيق المصالحة» يناديكم أن تعملوا على تطبيق المصالحة وما يليها، تحت مظلة الوحدة الوطنية.