وسط وجوه الثوار وأصوات البنادق التي هيمنت على ليبيا هذا العام، ثمة ثورة أخرى أكثر هدوءاً تختمر. النساء يطالبن بدور أكبر في هذه المرحلة التاريخية من التغيير السياسي. واجتمعت مئات السيدات الليبيات في طرابلس الأسبوع الماضي، في مؤتمر حول حقوق المرأة هو الأول من نوعه منذ سقوط القذافي. وفي قاعة تطل على البحر المتوسط، دارت المناقشات بينهن عن كيفية تيسير مشاركة المرأة في الحكومة الليبية الجديدة، وعن دور الشريعة الإسلامية، وطالبن بإلغاء القوانين التي تميز ضد المرأة في الزواج والطلاق. ومن التوصيات المقدمة للسلطات الليبية الجديدة أو ما يتعارف على تسميته المجلس الوطني الانتقالي، ضرورة زيادة مشاركة المرأة وتمثيلها في المجلس الانتقالي. للوهلة الأولى بدا كأن مؤتمر المرأة سيبقى مسألة هامشية، لكن مساء الأحد في 20 الجاري اتخذ المؤتمر منعطفاً دراماتيكياً. ففي حوالي الخامسة مساءً دخل رئيس المجلس الانتقالي (مصطفى عبد الجليل) بكل هدوء إلى قاعة المؤتمر، ومعه أعضاء آخرون من المجلس، وأعضاء من مجلس طرابلس، ووزير العمل فرج السايح. سادت لحظة من الصمت التام، ثم بدأت النساء في التصفيق لعبد الجليل وهو يتجه إلى المنصة. هذه المرة – وعلى النقيض من كلمته يوم إعلان تحرير ليبيا التي اختلف الناس حولها إذ لم يقر بدور المرأة في الثورة معلناً عودة ليبيا إلى تطبيق نظام تعدد الزوجات – كان عبد الجليل حريصاً على ذكر مساهمة المرأة الليبية في الثورة. وأكد أن المرأة الليبية لها أن تنال حقوق الرجل نفسها وأن تلعب الدور نفسه في الحكومة المقبلة. وقال: «نتوقع أن يكون للنساء دور مهم في مستقبل هذه البلاد». نهضت السيدات، شابات ومسنات، من طرابلس وبنغازي والجبل الغربي، محجبات وغير محجبات، وتزاحمن على مكبر الصوت وأمطرن عبد الجليل بالأسئلة. على مدار ساعة من الوقت تقريباً رحن يسائلن قائد بلدهن المحرر عن تعليقاته حول مسألة تعدد الزوجات، وسألنه إن كان سيخصص نسبة للمرأة في الدستور الجديد، وذكّرنه أكثر من مرة بأن النساء يلعبن دوراً أساسياً في إعادة إعمار ليبيا. أنصت عبد الجليل في هدوء ورويّة وراح يكتب الملاحظات، وأجاب عن أسئلة كثيرة. أوضح أنه لا يساند تعدد الزوجات بصفة خاصة، وأنه يريد الاستماع لآراء النساء قبل اتخاذ أي قرار. وفيما كان عبد الجليل يجيب على الأسئلة، ارتفع الضجيج بين الحضور، إذ وصل رئيس الوزراء الجديد عبد الرحمن الكيب وتبعه بسرعة كل من وزير العدل ووزير الداخلية ووزير الاتصالات. تحدثوا جميعاً عن دور المرأة المهم في الثورة، وركزوا على الدور الذي يجب أن تضطلع به المرأة الليبية مستقبلاً. وكان لوزير العدل محمد العلاقي آراء منها ما وصل إلى درجة تأكيد أهمية توفير تمثيل نسبي للمرأة في الحكومة، وأنه لا بد أن يُخصص أحد أهم ثلاثة مناصب في الحكومة لسيدة. في تلك اللحظة كان المجلس الانتقالي بأكمله جالساً وراء منصة أعدت على عجل في صدر القاعة. ثم وصل رئيس الوزراء السابق محمود جبريل. بدأ ترديد الشعارات والهتاف مع فرحة النساء بأهمية ما يحدث في قاعة مؤتمرات عادية وفي مساء لم يكن ليختلف عن غيره من مساءات طرابلس الدافئة. تجمعت النساء الليبيات حول المائدة، ينصتن إلى جبريل الذي أكد التزامه الشخصي بحقوق المرأة، وجلس في هدوء بينما السيدات يلتقطن الصور بهواتفهن النقالة، وسمع السيدات يتصلن بأقاربهن وأصدقائهن لنقل الحدث إليهم. في الصباح التالي عاد المؤتمر إلى روتينه المألوف. خمدت الحماسة بعض الشيء، وراحت المشاركات يتحدثن عن ضرورة محاسبة رجال السياسة على الوعود البراقة التي قدموها في اليوم السابق. وفي نهاية المؤتمر عرضت السيدات قائمة بالتوصيات إلى قيادات المجلس الانتقالي، تعكس التحديات الأساسية التي تواجه ليبيا اليوم. طالبن القادة بتفعيل قوانين جديدة لحماية النساء من العنف، وضمانات بفتح أبواب العدالة أمام المرأة، والرعاية الصحية والدعم النفسي. طالبن المجلس الانتقالي بتعزيز المساواة بين الرجل والمرأة ومساندة مشاركة المرأة في الحياة العامة. كما ذكّرن الحكومة بأهمية الاستثمار في التمكين الاقتصادي للمرأة. وأخيراً طالبت المشاركات المجلس الانتقالي بتوقيع مواثيق حقوق الإنسان الدولية التي لم توقع عليها ليبيا بعد في أسرع وقت ممكن، وبينها تلك الخاصة بحماية حقوق المرأة. ما بدأ كمحاولة بسيطة لجمع النساء على كلمة واحدة، تحول إلى لحظة ظهرت فيها لمحة من ليبيا الجديدة، حيث الاحترام والحماية للحقوق والحريات. وأوضحت النساء الليبيات رؤيتهن لبداية جديدة، وحضر قادة البلاد للاستماع إلى هذه الرؤية. يبقى عليهن الآن متابعة الضغط على هؤلاء القادة ليحولوا الأفكار إلى ممارسات. * مديرة قسم حقوق المرأة في «هيومن رايتس ووتش»