وصل الفيلم باكراً إلى شاشة «العربية»، وهذه نقطة تحسب لمصلحة القناة التي نجحت في مناسبات مماثلة سابقة. إنه الفيلم الوثائقي «جوبز، الرجل الذي غيّر عالمنا». وكان الفيلم يمر بمراحل المونتاج الأخيرة لدى إعلان وفاة «بطله» في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ستيف جوبز الذي يعد رمزاً لشركة «آبل» العملاقة، وأحد أبرز المخترعين في عالم التكنولوجيا الرقمية. وواضح أن السبب وراء إنتاج الفيلم كان مرتبطاً بصراع جوبز اليائس مع السرطان، واضطراره إلى الاستقالة من منصبه كمدير تنفيذي للشركة، بعد شعوره بعجزه عن متابعة عمله وعطائه. يختزل الفيلم خلال 45 دقيقة سيرة هذا الرجل (1955 - 2011)، والمحطات التي مر بها، إذ يعود إلى البدايات عند ولادته في سان فرانسيسكو، والمحيط الذي نشأ فيه في المنطقة التي عرفت لاحقاً ب «وادي السيليكون»، وكيف استطاع هو ورفاقه في «آبل» نقل المدنية إلى عصر جديد من الاتصال ونشر الكمبيوتر وتطويره عبر اختراعات مثل «آيفون» في عالم الهاتف، و «آيبود» في عالم الموسيقى، واستوديوات «بيكسار» في عالم الرسوم المتحرّكة، وصولاً إلى «آيباد» آخر مبتكرات «آبل». هي أسماء لمنتجات نرددها ونستخدمها بسهولة، لكنها استلزمت لحظات عصيبة، وأياماً مضنية من الاختبارات والتجارب، وهذا ما يكشفه الفيلم الذي يروي قصة الكمبيوتر الأول، وتحول جوبز إلى مليونير في ريعان شبابه، والمنافسة المريرة مع بيل غيتس، صاحب الشركة المنافسة «مايكروسوفت»، ومرونة جوبز وقدرته على ابتكار الحلول لمشكلات مستعصية اعترضت سبيل طموحاته الكثيرة... كل ذلك عبر شهادات لأصدقائه وزملائه، ووثائق أرشيفية. ويعبر عنوان الفيلم عن مضمونه بدقة، فجوبز «غيّر العالم»، حقاً. لكن رحلة المجد هذه لم تكن يسيرة، إذ أسس جوبز شركة «آبل» في مرأب للسيارات في منتصف سبعينات القرن العشرين. لكنه استقال، بعد نحو عشر سنوات، إثر خلاف داخلي على السلطة، وتداعت المجموعة إلى أن عاد إلى قيادتها عام 1997، ومذّاك سطع نجم «التفاحة المقضومة»، الرسم الذي تتخذه «آبل» شعاراً لها، وراحت منتجاتها تكتسح الأسواق. وعلى رغم أهمية الفيلم، الأرجح أنه سيكون بمثابة «بروفا» لأفلام مقبلة ستظهر عن هذا المكتشف. وما يثير الأسئلة هو أن هذا الرجل النحيل، ذا النظرات التائهة خلف نظارتين دائريتين سميكتين، لا يوحي بكل هذا المقدار من العبقرية، بيد أن عقله المتّقد جعله يتجاوز مصاعب كثيرة ويجترح معجزات في عالم الرقميات، وهو ما دفع الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى وصفه في بيان الرثاء بالقول: «... كان يملك من الشجاعة ما يكفي ليفكر بطريقة مختلفة، ومن الجرأة ما يكفي ليؤمن أن بوسعه تغيير العالم، ومن الموهبة ما يكفي لتحقيق ذلك».