تأمل الخبرين: طلعت السادات يموت عن 64 عاماً بأزمة قلبية وكان من المفترض أن ينظم مؤتمراً في «نفس يوم وفاته» لتدعيم مرشحي حزبه للانتخابات القادمة، والخبر الثاني عن وفاة المعلمة الشابة ريم النهاري ذات ال25 عاماً التي قضت في حريق مدرسة جدة، وكانت تجالس أباها وتسامره ليلة الحادثة حتى الثالثة صباحاً تحلم وتحضّر لمادتها «لليوم التالي»، فما تعليقك؟ أكلما عشنا أكثر يبدو لنا أن ما عشناه كان بلا جدوى؟ أحياناً قد يكون!! فالتاريخ له مجرى ولكن هل له معنى؟ أحداث وكأنها أورام الزمن، تتكرر الأحداث وتكبر الأورام وتتضخم، ثم تنفجر بقيحها وصديدها، وما أن يُنظّف جرحها ويُلملم حتى نُبتلى بجروح غيرها وبأورام أقسى منها، وأبو تلك الفتاة ماذا يفعل بآلامه وهو ليس الشاعر ولا الكاتب ولا الفنان بأي اتجاه ليعبّر عن معاناته كأقل تعويض؟ فأن نوثّق حرقتنا، تلك ربما طريقة كيلا نجد سنواتنا مملة طويلة، غريبة هذه الحياة فمن الصباح إلى المساء لا نصنع سوى الماضي، فحتى كتابتي هذه الجملة أصبحت ماضياً، فلا حاضر ولا مستقبل، ماضٍ فقط، أما حكاية أكون أو لا أكون فهذه مسائل نحو وصرف، ليست لها علاقة بقضايا الوجود، مجرد تلاعب وتحايل بالكلمات، وهذا الإحساس الدائم بالابتلاع هو منبع كل تأزم يعصف بالذات المفكِّرة، والله إنّ قدرتنا على الاستمرار في زيف الحياة لهي بطولة مطلقة، فأهم إنجاز يمكن أن نحققه في حياتنا هو بقاؤنا في الحياة، وملاذنا وتهوينها علينا يكون تحت ظلال الفنون، وحتى هذه حُرمنا منها. يقول الفرنسي باسكال: «نحن لا نعيش أبداً، بل نترجى العيش فقط»، فالأيام تكسرنا، فنبلع انكسارنا ونكمل، غير أن الوعي بالألم غير الألم بلا وعي، فحتى الدودة لو وعت بمصابها لكابدت واختنقت بوعيها، فالوعي شرخ كبير في علاقتك بالعالم، الوعي غربة ومنفى، أمّا سؤالي فكيف نكتب عن الشقاء؟ بكلمات السعادة أم بكآبة مفعمة بالحياة؟ ربما نصل حداً نكتب عن ألمنا ببراعة حتى لا يتصورونا صادقين؟ تخيل أن يكذبك الناس من فرط صدقك! أن يتهموك بتصنّع القرف وبفبركة الأحزان من حجم الحقيقة! فعلاً شر البلية ما يضحك، فأن تحتفظ بالقدرة على السخرية مما يجري، وبمخزون ضحك في زمن امتعاض الوجوه وعبوس الأرواح، فيعني أنهم لا يستطيعون أن ينالوا منك، إلاّ بمقدار ما تسمح به. نحن - معشر الكتّاب - نقبض أجراً مقابل ألّا نحايد، أم تراني غلطانة؟ ولن أستعمل لغة معقدة لقول أشياء بسيطة، فلست بحاجة إلى ابتداع المفردات لسؤال سهل ومختصر! لم تُصمم مدارسنا وكأنها السجون؟ مبنى مربع كبير، مجوف قلبه بفسحة تطل عليها بقية الفصول ذات النوافذ العالية والقضبان الحديدية، وكأننا اختنقنا بالحياة فطلبنا من الموت النجدة، ثم نملك الجهل الكافي لنسأل كيف تشوهت نفوسنا واختل تفكيرنا، فمن التي تدرس؟ أليست هي أم الأجيال، فإليك بأم الأجيال كيف أحلْتها إلى شبح الأجيال! أو كما كتب كيركيغارد: «الحياة التي أحيا ليست حياتي»، وكيف لا، وأنانية الرجل تسرق مني عمري! فلو حكم عليه بالعيش في هذا الكابوس الذي حصرني به، أتراه كان يقبله؟ ولا أقول سوى أن مأساة الإنسان ليست في موته وإنما في ولادته، لأنه مضطر عندها إلى التعامل مع أنواع البشر، المقلوب منها والمعدّل، والأسباب العربية التي تؤدي إلى أن يكون فكرنا مقلوباً هي التي تنتصر. قيل إن المتفائل هو من توافرت لديه المعطيات، وأنا لا أراه شرطاً، بل إن المتفائل هو الذي لا تتوافر لديه كل المعطيات، فلو أحاط علماً لَما تفاءل، ولأنني لا أملك المعطيات فتجدني أتفاءل بسذاجة وأسأل هل كثير على دولة كالسعودية أن تتساوى مدارسها الحكومية بتلك الأهلية المتطورة والخاصة المتقدمة؟ أم لا عُسر أشد من التفاؤل بهذا المستوى؟ فإن كانت المدارس الحكومية الأميركية أقوى من نظيرتها الخاصة ومرغوبة عنها، فهذا في أميركا يا ثريا، أما هنا فقسط دراسي قابل للزيادة سنوياً لقضبان حديد ومخارج طوارئ ضاع مفتاحها. [email protected]