بنوم بنه - أ ف ب - بدأت في بنوم بنه امس، المحاكمة التاريخية لثلاثة من قادة نظام الخمير الحمر السابق في كمبوديا ما يشكل فرصة اخيرة للضحايا لكي يعرفوا بعد اكثر من ثلاثين عاما الوقائع التي ادت الى مقتل نحو مليوني شخص خلال اربع سنوات. ويحاكم ابرز ثلاثة مسؤولين لا يزالون على قيد الحياة من نظام بول بوت الماركسي السابق (1975-1979) بتهم ارتكاب ابادة وجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، في محاكمة ستستمر لسنوات وتشمل حوالى اربعة آلاف شخص من اصحاب الحق المدني. وجلس مئات الكمبوديين من رهبان وطلبة وناجين في قاعة المحكمة يفصلهم زجاج عازل عن المتهمين، في مبنى بني حديثاً في ضواحي العاصمة. واعلن القاضي نيل نون بدء محاكمة المنظِّر الايديولوجي للنظام السابق نون تشيا ووزير خارجيته السابق يانغ ساري ورئيس «كمبوديا الديموقراطية» خيو سمفان. وحضر الثلاثة الجلسة. في المقابل، تغيبت عن هذه المحاكمة وزيرة الشؤون الاجتماعية في النظام السابق يانغ ثيريث زوجة يانغ ساري، كونها تعاني فقدان الذاكرة والخرف، وعلى الارجح الإصابة بمرض ألزهايمر، اذ اعتبر القضاة انها غير أهل لكي تحاكم. وكان القضاة امروا الاسبوع الماضي بالافراج الفوري عنها، لكن المدعين استأنفوا القرار. وفي حكم صدر الاحد، امرت غرفة الاستئناف بإبقائها موقوفة في انتظار ان تصدر قرارها في غضون اسبوعين. وقالت المدعية الكمبودية شيا لينغ، إن «الحزب الشيوعي الكمبودي حوَّل كمبوديا الى معسكر عبودية كبير وفرض على شعب بكامله نظاماً لا تزال وحشيته غير مفهومة حتى اليوم». وتحدثت القاضية عن «الطبيعة القاسية للإخلاءات القسرية والظروف غير المقبولة لمواقع العمل القسري او حتى الزواج القسري الذي يتم بموجبه إجبار ضحايا على اقامة علاقات جنسية» مع شريك اختير لهم تحت طائلة الإعدام. وأضافت: «هذه الجرائم المنسقة والمدبرة من قبل المتهمين تعتبر بين الاسوأ التي شهدتها امة في التاريخ المعاصر»، مشيرة الى معسكر العمل في شمال غرب البلاد، حيث كان يقضي 70 الى 80 شخصاً يومياً. لكن توقعات الضحايا قد تبددها مواقف المسؤولين الثلاثة الذين يرفضون الاتهامات. وحده خيو سمفان أكد انه سيتعاون لدى افتتاح الجانب التقني من المحاكمة في حزيران (يونيو) الماضي، في حين غادر نون تشيا الجلسة، واعلن يانغ ساري الشهر الماضي انه لا ينوي الادلاء بشهادته. ويخشى كثيرون ان يتوفى بعض المتهمين قبل النطق بالحكم، فيما عمدت المحكمة المتهمة بالتباطؤ الى تجزئة المحاكمة للتسريع في الاجراءات. وسيكرس الجزء الاول الذي بدأ امس لموضوعي اجبار السكان على التنقل من منطقة الى اخرى والجرائم ضد الانسانية. لكن الادعاء اعلن انه سيقدم كل الملف في مرافعاته بما يشمل وقائع الإبادة. وهذه المحاكمة هي الثانية التي تعقدها المحكمة الدولية، ففي تموز (يوليو) 2010 حكمت بالسجن ثلاثين سنة على كاينغ غيك اياف المدعو «دوتش»، رئيس سجن توول سليغ، حيث تعرض 15 الف شخص للتعذيب قبل اعدامهم. ويرتقب النطق بالحكم في الثالث من شباط (فبراير) المقبل. ويتوقع التخلي عن ملفين آخرين ضد مسؤولين أقل اهمية في النظام، كما قال المراقبون. وفيما اعلن رئيس الوزراء هون سين صراحة انه يعارض محاكمات اخرى، اثار الحديث عن ضغوط قد تكون الحكومة الكمبودية مارستها على المحكمة، جدلاً خلال الاسابيع الاخيرة، وخصوصا بعد استقالة قاض الماني. لكن مجرد افتتاح المحاكمة يشير الى انجاز بعد ثماني سنوات على توقيع اتفاق دولي حول اقامة هذه المحكمة المشتركة. وقال الناطق باسم المحكمة لارس اولسن: «انه حدث كبير مجرد بدء المحاكمة اخيراً»، مضيفاً ان «كثيرين كانوا يعتقدون بأن هذا الأمر لن يحصل ابداً».