منذ أشهر وتعبير «انطر نت» (انتظر النت) الساخر يغزو صفوف شباب لبنان ليعبّروا في جلساتهم وعبر صفحات موقع «فايسبوك» عن استيائهم الشديد من بطء الخدمة في بلدهم، ما يجعل من الانتظار واقعاً يعايشونه كلما أرادوا مشاهدة فيديو أو الدخول الى أي موقع الكتروني يتطلب سرعة انترنت عالية. وربما يكون موضوع سرعة الخدمة الإلكترونية من القضايا النادرة التي جمعت شباباً من مختلف الانتماءات الطائفية والسياسية في لبنان، حيث تشكلت المجموعات المطالبة بالإنترنت السريعة وعُقدت المؤتمرات طوال أشهر حتى تحقّق الهدف الرئيسي: خدمات «الجيل الثالث» أصبحت واقعاً في لبنان. فمنذ شهر نيسان (إبريل) الماضي، بدأت وزارة الاتصالات اللبنانية التحرك، وبدت الملامح الأولى للتطوير من خلال إقرار مرسوم زيادة سرعة الإنترنت وتخفيض الأسعار. وكذلك تمّ الإعلان عن نجاح تجربة الاتصال الأول في خدمة الجيل الثالث عبر شبكة «ألفا»، والتي لحقت بها شركة «أم تي سي»، وهما المشغلان الوحيدان لخدمة الهواتف النقالة في لبنان. وأكد الوزير شربل نحاس في تلك اللحظة، أنّ «التكنولوجيا الجديدة سيتمّ تعميمها على الأراضي اللبنانية كلها، وستؤمن سرعات تفوق 40 الى 100 مرة إضافية تلك المعتمدة في خدمات ال «DSL». خبر إطلاق خدمات الجيل الثالث في لبنان بشكل نهائي وخارج إطار التجربة منذ حوالى أسبوعين، شكّل محطة مفصلية بالنسبة الى الكثير من الشباب، خصوصاً لمن يحتاج لخدمة انترنت سريعة خلال عمله او دراسته، أو حتى لتواصله مع الآخرين عبر الشبكات الاجتماعية. وهذه الفئة ليست محدودة أبداً، إذ أظهرت دراسة أجراها شارل حرب من الجامعة الأميركية في بيروت حول «توصيف الشباب اللبناني»، أن 49.7 في المئة منهم يستخدمون الإنترنت بشكل يومي، و22.1 في المئة منهم يستخدمونها لساعات عدة خلال الأسبوع الواحد، فيما لا تصل نسبة الشباب الذين لا يستخدمون الإنترنت أبداً إلا الى 18.5 في المئة. وهذه النسب العالية تظهر مدى أهمية الإنترنت في حياة الشباب اللبناني، خصوصاً أن موقعاً مثل «فايسبوك» وصل عدد مستخدميه في لبنان الى مليون شخص بحسب تقرير أصدرته كلية دبي للإدارة الحكومية، ويشكّل هذا العدد نسبة 4.6 في المئة من إجمالي المستخدمين العرب للموقع. ومنذ اللحظات الاولى التي أعلن فيها عن إطلاق الخدمة الجديدة، انهالت الاتصالات على الشركة المشغلة للخدمة التي طال انتظارها سنوات. وتركزت أسئلة المستخدمين على أسعار الاشتراك الشهري التي جاءت متوسطة، حيث بلغ السعر الأساسي 19 دولاراً ل500 ميغابايت، وتمّ توفير برنامج بسعر 10 دولارات ل 100 ميغابايت. مخاوف مناطقية واقتصادية تحديد المناطق التي تشملها التغطية شكّل شاغلاً أساسياً للكثير من الشباب، خصوصاً أن خريطة الخدمة تشمل اليوم العاصمة بيروت والشريط الساحلي وصولاً الى شمال لبنان، فيما يتمّ العمل على تغطية المناطق الأخرى في عام 2012. ويتساءل الشاب جوني عمّار، وهو يسكن في قرية جنوبية، عما إذا كانت هذه الخدمة الجديدة ستطال منطقته. ويقول: «مازال هناك شباب في قرى جنوبية يضطرون الى الانتقال لأكثر من 7 كيلومترات عن بلدتهم للوصول الى مكان يؤمن لهم الإنترنت، وذلك بسبب غياب خدمة الإنترنت السريعة أو ال «DSL»، لذا نخاف أيضاً ألاّ نتعرّف الى الجيل الثالث من الإنترنت». تساؤل جوني ومثله الكثير من الشباب الذين مازالوا يسكنون المناطق البعيدة عن العاصمة تحاول الشركتان المشغّلتان للخليوي في لبنان الإجابة عنها من خلال العمل على مدّ شبكات الألياف الضوئية على مجمل الأراضي اللبنانية، لكن القلق لم يفارق بعد الكثير من اللبنانيين القاطنين في مناطق محرومة منذ زمن من تقنيات الاتصال. ومن النماذج اللافتة في هذا المجال، أن مقاهي الإنترنت في بعض البلدات الواقعة في أقصى الجنوب أو الشمال ما زالت تتقاضى ألفي ليرة لبنانية (1.3 دولار أميركي) مقابل استخدام الإنترنت لساعة واحدة، وهي تعتمد على الموديم ذي السرعة البطيئة. أمّا الشباب الذين يسكنون المناطق التي شملتها تغطية الجيل الثالث، فمنشغلون بقضية أخرى، وهي الحاجة الى تبديل الهواتف التي يمتلكها البعض منهم وهي غير مناسبة للاشتراك في الخدمة. ويقول رامي فغالي، الذي يدير متجراً لبيع الهواتف النقالة، إن أبخس الهواتف القادرة على تشغيل خدمة الجيل الثالث والمناسبة لتصفّح الإنترنت يبلغ سعرها 250 دولاراً أميركياً بأقل تقدير، ويمكن الحصول على سعر أقل في حال كان الهاتف مستخدماً. ويشير رامي الى أنه يستقبل عشرات الشباب يومياً منذ إطلاق الخدمة يبحثون عن هاتف ملائم من دون الاضطرار الى دفع مثل هذا المبلغ، علماً ان بعض الهواتف يمكن أن تدعم الخدمة من دون أن تكون ملائمة للاستخدام الإلكتروني إذا كانت شاشتها صغيرة ومفاتيحها غير مناسبة للكتابة والتواصل عبر المواقع الاجتماعية. وهذه التكلفة يمكن أن تثقل كاهل الكثير من الشباب، خصوصاً الطلاب الذين يريدون مواكبة الجديد لكنهم مازالوا معتمدين على أهلهم. لكن الخبير التكنولوجي عامر حسين يرى في شراء الهواتف الداعمة للجيل الثالث استثماراً صحيحاً، لانّ المستخدم يستفيد في الكثير من المجالات منها العمل والدراسة ويمكنه إتمام الكثير من المهمات بسرعة جيّدة. أمّا من لا يجد حاجة في الهاتف المتطوّر فيمكنه اللجوء الى «الدونجل»، أي المفتاح الإلكتروني الذي يتمّ استخدامه عبر الحاسوب المحمول، ما يزيد من سرعة الإنترنت لديه من دون أن يتكبّد تكلفة شراء هاتف جديد. هكذا تبدو الاستفادة من خدمة الإنترنت المتطوّرة محصورة بفئة معينة من الشباب القادرين على اقتناء الهواتف والأجهزة المستحدثة والمتواجدين في مناطق تغطّيها الخدمة. وفيما ينشغل لبنان باستقبال الجيل الثالث، ينظر الشباب المتابعون للقضايا التكنولوجية الى الكثير من الدول المجاورة التي تحتفل بإطلاق الجيل الرابع من خدمة الإنترنت الفائقة السرعة، والتساؤل الذي بدأ يُطرَح: هل سينتظر اللبنانيون 10 سنوات أخرى ليلتحقوا بالجيل الرابع؟