أخيراً أصدرت «دار جداول» كتاباً جديداً حول ربيع الثورات العربي للمفكر الموريتاني الدكتور السيد ولد أباه عنوانه «الثورات العربية الجديدة: المسار والمصير... يوميات مشهد متواصل». في أكثر من 150 صفحة يناقش الكاتب الحركات الاحتجاجية في غير بلد عربي، مشيراً إلى أن رهانها تتمثل في إنتاج صيغ عيش جديدة، وخروج من منطق القمع والوصاية، وتؤكد على قيم الحرية الفردية والفاعلية الإنسانية في مجتمعات متكلِّسة ضاقت فيها فرص الاندماج الجماعي والإبداع الفردي وفرص التداول على السلطة. وجاء في تعريف الكتاب: أن المطالب السياسية تدخل نفسها في هذا المنطق، باعتبارها تتجاوز التسيير الديموقراطي للحقل السياسي. ومن هنا نُدرك أن هذه الثورات الشبابية العصيَّة على الاستيعاب الإيديولوجي، تنضح بالمُثل الليبرالية الحالمة، وتجسِّد حالة الانفصام العميقة بين الطبقة السياسية والأجيال الصاعدة في العالم العربي. ويؤكد «ولد أباه» في كتابه أن أحداث تلك الثورات وأدواتها الاحتجاجية لم تكن إلا تعبيراً واضحاً عن هذه السِّمات المذكورة، فلا فرق هنا بين منطق الانتحار بالاحتراق والاحتشاد الاحتفائي في الميادين العامة، فكلاهما استخدام ناجع لسلاح الجسد في فظاعته التعبيرية المؤلمة في (الاحتراق)، أو في متعته الاحتفالية كما في (التكشُّف والغناء الشعاراتي، ...الخ). جاء الجسد هنا مُحمَّلاً بقدرات ائتلافية ترابطية، لا تحتاج لخطابة السياسيين والدعاة والحكماء، ومِن هنا تكمن المصاعب الجمّة لصياغة مطالب الشباب الثائر في مشاريع سياسية أو رؤى إيديولوجية منسجمة.