كتبت عن أحداث سورية في بداية التظاهرات قبل ثمانية أشهر أو نحوها، وكتبت عنها قبل أسبوع، وطالبت في أول مقال وآخر مقال، وفي كل المقالات بينهما، بوقف القتل قبل أي إجراء آخر فحفظ أرواح البشر أول واجبات الدولة. ووجدت بعد كل مقال لي أن القتل زاد، وحتى عندما أعطت جامعة الدول العربية سورية مهلة أربعة أيام لتنفيذ شروط المجموعة العربية، وأولها وقف قتل المتظاهرين، زاد عدد القتلى في اليوم التالي. وأخيراً عُلِّقت عضوية سورية في الجامعة فكان مقعدها خالياً، وأيد العالم كله القرار، بما في ذلك الصين التي كانت بين المدافعين عن سورية ما منع اتخاذ قرار ضدها في مجلس الأمن على امتداد الأشهر السابقة. وبلغ الأمر أن الملك عبدالله الثاني قال إنه لو كان مكان الرئيس بشار الأسد لاستقال. أحكي للقراء قصة. قبل سنتين في دافوس جلست مع الملكة رانيا وهي أخبرتني أنها والملك زارا سورية زيارة خاصة، وكانا في ضيافة الرئيس الأسد وقرينته السيدة أسماء الأسد. وقالت: «إن الزيارة كانت أجمل زيارة قضتها منذ سنوات، فقد خلت من أي بروتوكول أو واجبات رسمية، والدكتور بشار كان يقود السيارة بنفسه، والملك والرئيس والزوجتان ذهبوا إلى مطاعم في المدينة من دون حجز أو إنذار، وزاروا معالم سياحية في دمشق وحولها». قالت الملكة: «إن الملك عبدالله الثاني وهي يعتزمان أن يدعوا الرئيس السوري والسيدة الأولى إلى الأردن في زيارة مماثلة». بعد أشهر دعيت إلى حضور الاحتفالات بألفية مار مارون في حلب، وكان من ضمن البرنامج غداء استضاف فيه الرئيس الأسد المشاركين في الاحتفالات. وهو والسيدة أسماء وقفا في نهاية الغداء لتوديع الضيوف، ونقلت لهما ما قالت لي الملكة رانيا، ورد الرئيس الأسد أنهما سرّا كثيراً باستضافة ملك الأردن والملكة، ويعتزمان تلبية دعوتهما في المستقبل القريب. ما حدث بعد ذلك كان العكس تماماً فدموية المواجهة جعلت الدول العربية، ومعها دول العالم، تتخلى تدريجياً عن سورية، حتى وصل الأمر بالملك عبدالله الثاني أن ينصح الرئيس الأسد بالاستقالة. بعض المقارنة. عندما احتل صدام حسين الكويت في عدوان همجي على جارة شقيقة وجد بين أعضاء جامعة الدول العربية ستّاً تؤيده. والدكتور بشار الأسد لم يجد وأعضاء الجامعة يقررون تعليق عضوية سورية أكثر من أربع دول تؤيده. لم يخطر لي في أحلامي أن أرى الرئيس حسني مبارك على نقالة طبية في قفص الاتهام داخل محكمة مصرية. ولم يخطر لي في أحلامي أيضاً أن يصبح بشار الأسد أقل شعبية بين العرب من صدام حسين بعد احتلال الكويت. هل يقدّر الرئيس الأسد حجم خسائره، وهل يدرك أنه أدخل نفسه في طريق مسدود؟ كنت اعتقد أنني أعرفه جيداً، إلا أنني بدأت أشك في مدى معرفتي بالرئيس ومستشاريه، وأعترف بالخوف من المستقبل. في البداية كان النظام السوري يقول إن هناك جماعات مسلحة تندس بين المتظاهرين وتطلق النار على الجنود ورجال الأمن وتقتلهم. وكان رد الفعل على هذه التهم أنها غير صحيحة أو مبالغ فيها كثيراً. واليوم هناك قتل متبادل لا ينكره أحد، ونقرأ أن بين المسلحين جنوداً فروا من الخدمة، وأن متظاهرين كثيرين أصبحوا يستعملون السلاح ويحصلون عليه من دول خارجية. بكلام آخر، سورية تواجه خطر حرب أهلية، أو مجزرة، قبل أن يسقط النظام لأن الجيش السوري لن يقوم بانقلاب على الرئيس كما حدث في تونس، أو نصف انقلاب كما حدث في مصر. لو أن النظام السوري أراد أن ينتحر هل كان فعل أسوأ مما فعل منذ ثمانية أشهر وحتى الآن؟ الله يكون في عون السوريين. [email protected]