«يومان آخران ويختتم مهرجان استوكهولم دورته الثانية والعشرين، وكانت مديرة المهرجان لخّصت في مؤتمر صحافي قصير اهم السينمات التي تطبع الدورة الجديدة وتميزها عن سابقاتهتا، مشيرة ان في الأرقام التي حرصت على ذكرها يكمن الكثير من توجهاتها، فعلى مستوى الأفلام المشاركة قالت إنها وصلت الى 173 فيلماً وهي وإن كانت أقل عدداً من أفلام الدورة السابقة، فإن السبب يكمن في توجه المهرجان لتأمين مشاهدة أكثر راحة لجمهوره: «في هذة السنة راهنّا كثيراً على إعطاء زوارنا تجربة مشاهدة إستثنائية، فقدمنا له أكثر من 17 قاعة عرض جديدة، توفر له متعة الإستمتاع بالعروض العالمية وبمقابلة المشاهير من الضيوف في جو إحتفالي ونادر». راحة على حساب الكم! ربما هذا التوجه لوحده يعكس الدرجة العالية من الإطمئنان التي وصلها المهرجان، فيما غيره يتسابق لحشد أكبر عدد من الأفلام، ويتباهى بعضها بكثرتها، فيما يعتبرها البعض وبخاصة في منطقتنا العربية، مقياساً على أهميته وعالميته. بقية الأرقام تشي برغبة المهرجان في الإحتفاظ ببعض خصوصياته وأن بدرجة أخف. فالتحدي الذي كان عنواناً بل وعاملاً من عوامل تفرد المهرجان، وبخاصة رهانه على سينما المرأة أو كل ما هو جديد في هذا العالم وغير المألوف من قبل، مثل أفلام التلفونات المحمولة، أو أفلام شبكة الإنترنيت، نجدها اليوم أقل ضغطاً على توجهاته، وربما اختياره «سينما الحب» كثيمة لدورته الحالية يعبر وبطريقة ما عن ليونة وأريَّحية تنظيمية انعكستا في حديث مديرته جيت شينيوس: «لقد أصبح مهرجاننا وبشكل واضح ملتقى للأجيال القادمة والواعدة من صناع الأفلام، وبرنامج الدورة الجديدة يمكن وصف مستواه وعن حق بالكلاسيكي العالمي، حيث تجتمع فيه؛ إضافة الى أسماء كبيرة، أخرى شابة، قادمة حديثاً، وهو ما زال يحرص على تقديم المخرجات الموهوبات، حيث بلغت نسبة مشاركتهن 26 في المئة بالمقارنة بعدد المخرجين الإجمالي فيه، وهي النسبة الأكبر منذ تأسيسه. «هلأ لوين؟» في المسابقة في هذا المسعى يكمن ربما حرص المهرجان على اشتراك اللبنانية نادين لبكي، والتي سبق لها أن فازت فيه عام 2007 مناصفة بجائزة اتحاد النقاد السينمائيين العالمي (فيبرسي) عن فيلمها «كراميل» وها هي اليوم تدخل كمنافسة في المسابقة العالمية بفيلمها الثاني «هلأ لوين؟» الى جانب عشرين مخرجاً من بينهم ستيف ماكوين ومنجزه «عار» والهولندي مايكل روسكام وشريطه المثير للجدل «رأس الثور» ويتناول فيه ظاهرة حقن العجول بالمنشطات المُضَخِمة ومدى تأثيرها على صحة الناس، عبر قصة رجل يتحول وبسببها الى كائن عدائي لا تقل قوته وإندفاعه العنيف عن قوة وإندفاع ثور هائج. وهناك «كوريولانوس» المقتبس عن شكسبير، وقد عصرنه المخرج رالف فينيس. والى جانبه قراءة أندريا أرلوند السينمائية الجديدة لعمل الكاتبة الأنكليزية إيميلي برونتي الشهير «مرتفعات ويذيرينغ» والذي أختير أيضاً ليكون فيلم وسط المهرجان، فيما كان الإفتتاح من نصيب فيلم توماس ألفريدسون «سمكري، خياط، جندي وجاسوس» المأخوذ عن واحدة من روايات جون ليكاريه. على ان يختتم ب «الجلد الذي أسكنه» لبيدرو المودفار. أما خانة «منطقة مفتوحة» فضمّت أكبر عدد من أفلام الدورة وربما أهمها، ويكفي للدلالة على ذلك، ذكر: «منهج خطر» لديفيد كروننبرغ (عرض في الدورة الأخيرة لمهرجان أبو ظبي السينمائي) و «الصبي على الدراجة» للأخوين داردين، والفرنسي من إخراج رادو ميهايليانو، «نبع النساء» ذو المناخات والحبكة العربية. وعربياً، أيضاً، وعلى المستوى الوثائقي أُستُضيف الفيلم المصري «التحرير 2011: الطيب والشرس والسياسي» والذي تعاون على إخراجه ثلاثة شباب هم: تامر عزت، وآيتين أمين، وعمرو سلامة. جوائز ورؤى من تقاليد المهرجان السنوية منح جائزة «منجز العمر» لسينمائيين متميزين قدموا منجزات مهمة في حقل الإبداع السينمائي، وعلى المستوى المهني حققوا نجاحات بارزة. الاختيار وقع هذا العام على الممثلة الفرنسية إيزابيل هوبرت، والتي رأى فيها المهرجان «ممثلة سينمائية جمعت عبر أدائها كل ألوان التعبير السينمائي وشَكَلت أدوارها حُزمة مُشبعة بأفكار ومشاعر جسدتها في أفلام لن تُنسى مثل: «مدام بوفاري»، «معلمة البيانو» و«8 نساء» ومن بين أخر أعمالها التي شاهدها جمهور المهرجان «مادة بيضاء» عن سيدة أوروبية، صاحبة مزارع للقهوة في أحدى الدول الأفريقية، نلتقيها لحظة مواجهتها صراعاً على أرض أَخلصت لها، فيما استَّغلها رجال بيض، آخرون، ساهموا في إفساد نظام كامل، حَولوا عبره المساعدات الدولية لتنمية الموارد الزراعية في القارة الى مصدر ربح دائم لهم، وطبعاً على حساب فقراء مزارعيها. ولاستلام جائزتها الثقيلة (تمثال لحصان برونزي يزن 7 كيلوغرام) حضرت إيزابيل هوبرت بنفسها الى استوكهولم لتقابل الجمهور وجهاً لوجه، فيما أُهديت الدورة، التي تمتد أيامها من التاسع حتى العشرين من شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، الى المخرج الأميركي سيدني لوميت، الذي توفي العام الفائت، تاركاً وراءه إرثاً سينمائياً غنياً، ومنجزاً امتد لنصف قرن بلغ مجموعة 44 فيلماً، أخرها كان «قبل أن يعلم الشيطان أنك ميت» ويعرض المهرجان له مجموعة مختارة من بينها: «12 رجلاً غاضباً» و«سيربيكو». أما جائزة «رؤية استوكهولم» فمنحت للمخرج المكسيكي أليخاندرو غونزالس إناريتو، لقناعة مسؤولي الجائزة بأنه واحد من المخرجين العالميين، وربما أكثرهم شاعرية، والذي أخذ على عاتقه لعب دور الوسيط بين الفردانية والكونية. فهو لم يتناول قضايا كبيرة كإنهيار العالم وفناء البشرية قدر إهتمامه بالفرد وعيشه الطبيعي، لهذا كثيراً ما نرى العائلة والطفل مركزاً حيوياً في أفلامه وأنه بهذا الانحياز للفرد الواقعي إنما يجسد العلاقات بينه وبين أحداث يعجز الإنسان لوحده السيطرة عليها، ولكن، وعلى رغم هذا، تقع على عاتقه ككائن بشري مسؤلية التفاعل معها ومع المتأثرين بها. ولتوضيح رؤيتها اختارت استوكهولم أربعة أفلام من أعماله وهي: «محب الكلاب، 2000»، «21 غرام، 2003»، «بابل، 2006» و«بيوتيفول، 2010». وفي هذا الأطار تميّزت دورة هذا العام ايضاً الى جانب رؤيتها المحلية، بما يمكننا تسميته «رؤية لاتينية» تحاول تقديم أفضل أفلام القارة منها، مرشح المكسيك لأوسكار هذا العام: «ميس بالا» لجيرالدو نارنيو وفيلم ديغو ريغيرس في عرضه العالمي الأول «ملح». ومن «الخيال الآسيوي يرى السويديون في عاصمتهم: الهندي «غاندو» والكوري «أريرانج» حيث يسجل المخرج كيم كي - دوك بكامرته الديجيتال يومياته الشخصية وهو يعاني أزمة منتصف العمر. فكيم وبعد أعمال ناجحة ومع كل الإهتمام العالمي به وبخاصة في المهرجانات السينمائية الكبيرة يجد نفسه كئيباً معزولاً في مكان نائ يعيش يوماً رتيباً يصنع تفاصيله بنفسه، ويتذكر أفلامه، وفي النهاية ولوضع حد لقلقه وحيرته، يقرر قتل منتجيها في متخيل سينمائي يحتاج الى معرفة ببقية أعماله، مع كل جهده الذي بذله لتعميق نظرة مشاهديه لها ومعرفة أوسع بتفاصيلها. «أريرانج» أغنية منتصف العمر الحزينة، فيها مراجعة سينمائية للذات ولمهنة مُعَّذِبة.