فيما لا يزال الجدل مستمراً في مصر حول إصدار قانون يعزل سياسياً أعضاء الحزب الوطني المنحل ويمنعهم من خوض الانتخابات البرلمانية المقرر بدء مرحلتها الأولى يوم 28 تشرين الجاري (نوفمبر) الجاري، أصدرت محكمة إقليمية حكماً لافتاً أمس باستبعاد أعضاء سابقين في «الوطني» من الترشح في الانتخابات، ما أثار حالاً من الارتباك في الساحة السياسية. وعلمت «الحياة» أن اللجنة القانونية التابعة لحزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين»، أقامت دعاوى قضائية ضد غالبية أعضاء الوطني وقياداته من أجل منعهم من خوض الانتخابات وأنها تنتظر صدور أحكام مماثلة في المرحلة المقبلة. وأمرت محكمة القضاء الإداري في محافظة الدقهلية (دلتا مصر) باستبعاد أعضاء «الوطني» من الترشح في الانتخابات وإلزام اللجنة العليا للانتخابات في المحافظة بعدم قبول أوراق ترشحهم. وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن المحكمة الإدارية العليا سبق لها أن قضت بسقوط الحزب الوطني (في شهر نيسان/ أبريل الماضي) بعدما ثبت لديها إفساده الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مشيرة إلى أن «من أفسد الحكم هم الأشخاص الطبيعيون القائمون على شؤون الحزب من قياداته وكوادره وأعضائه الذين أحدثوا هذا الفساد بأفكارهم وأفعالهم والسياسات المريبة التي ابتدعوها، فعاثوا في مصر فساداً، وجعلوا منها فريسة لأطماعهم». وذكرت أن «من أسقطه الشعب في ثورته المجيدة لم يكن الحزب الوطني الديموقراطي فقط، بل قيادات هذا الحزب وكوادره وأعضاؤه أيضاً، ومن ثم فإن تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا يجب ألاّ يقتصر على مجرد استرداد مقار الحزب وأمواله المملوكة بحسب الأصل للدولة، وإنما يجب أن يمتد بالضرورة وبحكم اللزوم إلى قيادات الحزب وكوادره وأعضائه، باتخاذ الإجراءات وإصدار القرارات الكفيلة بمنعهم من مزاولة العمل السياسي بكل صوره وأشكاله، بما في ذلك الترشح لانتخابات المجالس النيابية، باعتباره أبرز صور العمل السياسي، الأمر الذي من شأنه أن يحول دون استمرارهم في إفساد الحكم والحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد والتأثير سلباً في ثورة الشعب المجيدة». وأكدت المحكمة أن منع رموز الحزب الوطني من الترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة يأتي في ضوء أن المهمة الأساسية لمجلسي الشعب والشورى المقرر انتخابهما، هي انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد، على نحو يتعين معه على جهة الإدارة (اللجنة العليا للانتخابات والمجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئاسة الوزراء) المبادرة إلى اتخاذ هذه الإجراءات ليصبح تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا كاملاً غير منقوص. واعتبرت أن حرمان أعضاء الحزب الوطني من الترشح لانتخابات البرلمان «قائم على سند ومسوغ قانوني مشروع يتمثل في التنفيذ الكامل لحكم المحكمة الإدارية العليا بحل الحزب». وتعد الأحكام الصادرة عن القضاء الإداري بمثابة أحكام استئنافية مشمولة بالنفاذ، والطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا لا يوقف تنفيذها. وينتظر أن يتم إعلام اللجنة العليا للانتخابات بالحكم، لينفَّذ بمسوَّدته على الفور، إذ ستعكف اللجنة على الفور على درسه تمهيداً لتنفيذه. وفي حال الطعن ضد الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا تلتزم بالفصل في الطعن خلال أيام. وعلى رغم أن صيغة الحكم تحض على استبعاد كل أعضاء الحزب الوطني، إلا أن قانونيين قالوا ل «الحياة» إن أثره يسري فقط على أعضاء الوطني في محافظة الدقهلية، إلا إذا رأت اللجنة العليا للانتخابات تنفيذه على كل أعضاء الوطني. وقال مصدر في اللجنة إنها تعكف على درس الحكم وقراءته جيداً قبل إصدار قرار بشأنه، مؤكداً أن الحكم سينفذ بمسودته، لكنه لم يجزم إن كان سينفذ في مواجهة كل أعضاء الوطني على مستوى الجمهورية أم المرفوع ضدهم الدعوى فقط، غير أنه أشار إلى أن هناك فرصة للطعن عليه. وقال مصدر عسكري ل «الحياة» إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة «لن يتدخل في أحكام القضاء من قريب أو بعيد. المتضررون من قرار محكمة القضاء الإداري يمكنهم الطعن فيه عبر القنوات القضائية المشروعة». وأضاف: «من يريد اتهام أحد بإفساد الحياة السياسية، عليه أن يتقدم بما يثبت ذلك إلى القضاء». من جهة أخرى، قال المستشار القانوني لحزب «الحرية والعدالة» أحمد أبو بركة ل «الحياة»، إن الحكم خاص بالأشخاص الذين صدر ضدهم وهم المرشحون من أعضاء «الوطني» في محافظة الدقهلية، مشيراً إلى أن المحكمة رأت أن هؤلاء لا تتوافر فيهم شروط النزاهة للترشح. وأضاف أن الأمر ذاته ينطبق على كل أعضاء الوطني، ويمكن اعتبار الحكم سنداً في أي دعوى قضائية مماثلة. وأوضح أبو بركة أن اللجنة القانونية في حزب «الحرية والعدالة» أصدرت منذ أسابيع تعليمات لأعضائها في كل المحافظات تقريباً بإقامة دعاوى لاستبعاد مرشحي «الوطني»، و «ننتظر أحاكماً مماثلة تصدر تباعاً في غضون الأيام المقبلة». وقال القيادي في الحزب الوطني المنحل والمرشح لعضوية مجلس الشعب في محافظة قنا (جنوب مصر) عبدالرحيم الغول ل «الحياة»: «ما يطبق على الجميع نلتزم به، لكن كل منطقة لها ظروفها»، مضيفاً: «لا أعلق على حجية الأحكام القضائية وشرعيتها، لكن هذا الحكم يخص أطرافه وحين يعمم يكون لكل مقام مقال». وأشار الغول إلى أن هذا الحكم حكم ابتدائي وقابل للطعن ولا يجوز للجنة العليا للانتخابات درس تطبيقه على كل أعضاء الوطني قبل أن يكون نهائياً وباتاً. وأضاف: «أمامنا المحكمة الادارية العليا، ولا أحد يملك منعنا من الترشح في الانتخابات من دون صدور حكم نهائي». من ناحية أخرى، أكد محامي جماعة «الإخوان المسلمين» عبدالمنعم عبدالمقصود، أن شعار «الإسلام هو الحل» الذي أثير حوله جدل في الآونة الأخيرة «دستوري»، إذ حصل على مئات الأحكام القضائية التي تثبت أنه شعار سياسي وليس دينياً، ومن حق أي مرشح استخدامه في حملته الانتخابية. وقال إن الأحكام القضائية تواترت على أن شعار «الإسلام هو الحل» لا يتضمن سوى الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وهو أحد مقاصد الدستور، ولا يدعو إلى الفتن والعنف، ويحترم جميع أصحاب الديانات السماوية. ورفض عبدالمقصود تهديدات رئيس اللجنة العليا للانتخابات المستشار عبد المعز إبراهيم بشطب أي مرشح يستخدم الشعارات الدينية، ومنها شعار «الإسلام هو الحل»، معتبراً أن هذه التهديدات إهدار لحجية الأحكام القضائية النهائية. وأوضح عبدالمقصود ل «الحياة» أن أحداً من مرشحي «الحرية والعدالة» لم يستخدم الشعار حتى الآن «لكن نطالب بالتزام اللجنة العليا بأحكام القضاء، فالانتخابات مستمرة حتى كانون الثاني (يناير) المقبل وقد تشهد أي شيء». تظاهرة في القاهرة في غضون ذلك (ا ف ب) توجهت مسيرة ضمت الآلاف الجمعة إلى ميدان التحرير بوسط القاهرة، في ذكرى الأقباط الذين قتلوا في المواجهات التي جرت مع قوات الأمن في تشرين الأول (اكتوبر) الماضي أمام مبنى الاذاعة والتلفزيون المصري في ماسبيرو بوسط العاصمة. وتوقفت المسيرة امام المستشفى القبطي برمسيس في وسط القاهرة قبل التوجه الى ميدان التحرير، معقل الانتفاضة الشعبية التي اطاحت الرئيس السابق حسني مبارك. وشارك عدد كبير من الاعلاميين والمثقفين في التظاهرة التي رفع خلالها المتظاهرون الاعلام المصرية وحمل بعضهم الصلبان، كما أوضحت وكالة انباء الشرق الاوسط المصرية. ولم تشر الوكالة الى تعرض المسيرة، التي واكبتها قوات الشرطة، لأي حادث يذكر. وقتل 25 شخصاً غالبيتهم من الاقباط في 9 تشرين الاول الماضي، عندما تحولت مسيرة سلمية لآلاف الأقباط امام مبنى الإذاعة والتلفزيون في ماسبيرو احتجاجاً على حرق كنيسة في الصعيد، الى مواجهات دامية مع قوات الأمن.