هل ستضرب إسرائيل إيران؟ إنه السؤال المطروح بإلحاح، فالخبراء العسكريون يرون أن إسرائيل التي اعتادت أن تكون خططُها الحربيةُ سريَّةً، تُنظم اليوم حملة عسكرية (مكشوفة) بدأت بساحتها الداخلية، فهي تعبئ الرأي العام لديها منذ أمد بعيد لضرب المفاعلات النووية الإيرانية، وهي للمرة الأولى تجعل النقاش حول الموضوع شعبياً، وتُسخِّر مراكز استطلاعات الرأي لمعرفة النسب المئوية للإسرائيليين الموافقين والرافضين لضرب إيران، كما أنها لم تكتفِ بذلك بل جعلت من موضوع ضرب إيران الطبق الشعبي الإسرائيلي السائد هذه الأيام. بالضبط كما فعلتْ عام 2006 عندما ضربت لبنان، وفي عام 2008 عندما اجتاحت غزة. أدارت الصحف الإسرائيلية خلال الأسابيع الفائتة نقاشات معمقة حول الموضوع، ساهم فيها قادة الأجهزة الأمنية ورؤساء الشاباك والموساد المتقاعدون والعاملون، على غير العادة. وحتى تكون السيناريوات واقعية جداً أجرت إسرائيل أيضاً تدريبات عملية في كل القطاعات العسكرية والاحتياطية، وأنظمة الدفاع المدني. وكشفت النقاب عن آليات التدريبات العسكرية، وعن خطة تدريبات طائراتها على التزود بالوقود فوق رومانيا وسردينيا، وعن مشاركة أسلحة جوية أوروبية معها، كذلك كشفت عن صاروخ جديد هو «يريحو» العابر للقارات. وأشركت كل قادتها في كرنفال الهجوم على إيران، حتى أن شمعون بيريز «حكيم بني إسرائيل»، أعلن أن الجيش مستعدٌ لضرب المفاعلات النووية الإيرانية! وهكذا تمكنت حكومة الآلة العسكرية الإسرائيلية من تغيير أولويات الشعب في إسرائيل، من أولويات المطالبة بالإصلاح الاجتماعي، إلى أولويات الحرب، وهي المعادلة الوحيدة الناجحة في إسرائيل، والتي لا يختلف عليها اثنان، فعقدة الأمن والرعب والخوف هي دائماً الناظم الوحيد لفسيفساء المجتمع الإسرائيلي، وهي أيضاً التي تُقوِّي الحكومات وتُطيل أعمارها، وتمنح الأوسمة الفخرية لرؤسائها! فهل هذا المهرجان هو مقدمة حقيقية وصادقة لقرب موعد الهجوم الإسرائيلي على إيران؟ يرى بعض المحللين بأن هدف هذا الكرنفال الإسرائيلي هو إقحام الدول الكبرى في الغزو، بحيث تقوم أميركا وبريطانيا وفرنسا بالمساهمة في هذا الهجوم، لا سيما أن هناك زيارات سرية تمت – كما أشارت يديعوت أحرونوت - في الأيام الماضية من وزراء الدفاع في بريطانيا، ووزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك لدول أوروبية، وكانت رسالة باراك لهذه الدول تقول: «إن الأسلحة النووية الإيرانية المزمع إنتاجها عام 2015 ستصل إلى أوروبا، وأن إيران ستهاجم السفن الأميركية في الخليج العربي، وهذا يعني أن إسرائيل هي رأس الحربة في وجه هذا «الجنون» الإيراني»! وكنتيجة مباشرة لذلك أبرزت الصحف الإسرائيلية اللقاء الذي أجرته الصحافية كريستيان أمانبور مع وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس على قناة «إي بي سي» وقالت فيه: «آن الأوان لمواجهة إيران، ويجب على أميركا ألا تستبعد الخيار العسكري، فيجب أن يظل هذا الخيار مطروحاً»! إلا أن محللين عسكريين آخرين يرون أن هذا التجييش العالمي (المكشوف) ضد إيران يهدف إلى إحداث الرعب في إيران ودفعها إلى تحريك معداتها النووية من مكان إلى آخر لتتمكن الأقمار الاصطناعية من تعقب مواقع وجود المفاعلات الإيرانية لرصدها. من يقرأ معطيات الساحة الإسرائيلية يجزم بأن خطة إسرائيل لضرب إيران لم تعد خطة، بل تحولت إلى إجراءات تنفيذية عملية، ليس فيها من الأسرار سوى موعد تنفيذها فقط، وستبدأ أولاً بتصفية حساباتها مع الفصائل الفلسطينية المتحالفة مع إيران في غزة، ثم تراقب بحذر شديد حدودها مع جنوب لبنان، بعد أن أرسلت التحذيرات والتهديدات إلى الحكومة اللبنانية عبر وسطائها. لقد طمأن خبير الصواريخ الإسرائيلي عوزي روبن الإسرائيليين من الصاروخ الإيراني «شهاب الثالث»، وأبلغهم أن صاروخ «أرو» الإسرائيلي سيدمره قبل وصوله إلى إسرائيل، كما أن إيران تملك فقط 300-400 صاروخ بعيد المدى. كما أن ضرب إيران سيكون هو الرسالة الإسرائيلية المناسبة للانتفاضات الشعبية في العالم العربي، والتي ستقول لهم: «ستظل إسرائيل الوحيدة القادرة على تقليم أظافر كل دولة تسعى إلى تجاوز الحدود المسموح بها، وهي الوحيدة في الشرق الأوسط التي تضع مواصفات كل الدول وتحدِّد مقاييسها».