بيت القذافي على مشارف أوباري (ليبيا) - رويترز - بينما كنت أرقد في صمت وعيناي تحملقان في الظلام وأسمع المقاتلين وهم يتحدثون بحماسة خارج باب الغرفة... شعرت وكأنني طفل أُجبر على النوم مبكراً. كانت غرفة نوم معمر القذافي كبيرة وإن لم تكن شاسعة وكان فراشه الضخم يشغل معظم مساحتها. وكانت هناك ثريتان متهالكتان تتدليان من السقف. في وقت سابق من ذلك اليوم كنت قد اتصلت بصديق كان ضابطاً في القوات الجوية الليبية في جيش القذافي قبل فراره من طرابلس مع أبنائه في شباط (فبراير). عاد الآن ويعمل طياراً لأفراد الحكومة الانتقالية الجديدة في تنقلاتهم في البلاد. وقال: «انا سأتوجه إلى الصحراء خلال 30 دقيقة... تعال معي». ويعتقد أن عصابات من الموالين للقذافي والمرتزقة المسلحين يجوبون جنوب البلاد، وحذّرني صحافيون من احتمال التعرض للخطف - إذ إن الشخصيات الغربية تصلح دائماً لأن تكون ورقة مساومة رابحة - لكن التوجه إلى هناك جواً وتجنب رحلة تستغرق سبع ساعات في الصحراء المفتوحة قللا من حجم المخاطرة بصورة كبيرة. بعد وصول الطائرة وبعد رحلة برية صعبة تقشعر لها الأبدان في طرق صحراوية وصلنا إلى مجمع تحيط به أسوار مغطاة بأعلام الثورة الليبية ورسوم للثوار. وكانت هناك شاحنتان عليهما مدافع آلية ثقيلة عند البوابة المعدنية التي انفتحت بينما كنا نهمّ بالدخول. كانت أجهزة رش الحشائش تعمل وكانت الحشائش الخضراء تتناقض بشدة مع المنظر القاحل في الخارج. وكان المقاتلون الموالون للمجلس الوطني الانتقالي الذين يرتدون زياً عسكرياً يتجولون في الطرق بينما كان أفراد من الطوارق ذوي البشرة الداكنة الذين يرتدون ملابس فضفاضة يجلسون ويتجاذبون أطراف الحديث في بعض الأكواخ المصنوعة من القش التي كان لكل منها مكيفه الخاص. قال لي أحد المقاتلين: «كان هذا منتجع القذافي الصحراوي... الآن نحن نستخدمه في المصالحة مع القبائل هنا». المبنى الرئيس مكون من طابقين. وهناك غرف كبيرة مليئة بالأرائك والخزائن الفارغة وكانت تعج برجال يركضون هنا وهناك يتحدثون عن كيفية إعادة بناء البلاد. الأمر المذهل حقاً في شأن هذا البيت هو أنه من الواضح أنه لم يكن يستخدم إلا نادراً. قلت لنفسي ربما يكون القذافي قد شيّده للإقامة فيه في حالة زيارته حقول النفط المجاورة. وتتسم بلدة أوباري القريبة التي يسكنها نحو 40 ألفاً بالفقر وتملأ القمامة شوارعها. وقال لي أحد أبناء الطوارق إنه كان يلعب في الحقول التي كانت موجودة هنا قبل إقامة البيت عام 1990. وأضاف: «كانت أول مرة أدخل فيها هنا قبل عدة أيام». وكنت سعيداً أن أراه يجلس باسترخاء على الأرائك المصنوعة من الجلد الصناعي. توجهت إلى غرفة الطعام في منزل القذافي. هنا رأيت أطقماً للموائد وأكواباً وقلت لنفسي «ستحب أمي اقتناء أحد أطقم فناجين الشاي التي تخص القذافي». لكن بينما كنت أناقش نفسي في ما إذا كان نهب منزل القذافي أخلاقياً أدركت ان المنزل ما زال على حاله تماماً. ربما يكون قد سُرق شيء هنا أو هناك، لكن الكثير من الأشياء التي يخفّ حملها ما زالت موجودة في مكانها. قرأت عن المنازل التي تهجرها حكومات والمنازل المنهوبة ورأيت بعضها كذلك لكن من الواضح أنهم هنا اتبعوا نهجاً مختلفاً. في المطبخ تجاذب مقاتل من الشمال ورجل من الطوارق أطراف الحديث في جوار الحوض وقد شمّرا عن ساعديهما أثناء غسل الأطباق. ومع تواصل أطراف الحديث حتى الليل جاء رجل من الطوارق فارع الطول ليسألني أنا ومستشاري الأمني عما إذا كنا نشعر بالتعب. قادنا إلى غرفة نوم القذافي وخارت قواي على الأريكة وشكرته بشدة على إسكاننا في أفضل غرفة. وبغض النظر عن حسن الضيافة... كان الطوارق ينظرون بريبة إلى غرفة النوم. فالبعض اعتقد انها ملعونة وأن «السحر الأسود» يمكن أن يفتك بمن ينامون فيها. نمت في الغرفة كأي ديكتاتور واثق من نفسه لا يقض مضجعه شيء.