اجتمع مقاتلون من الزنتان مع وفد ضم مدنيين وعسكريين من العاصمة طرابلس في مجمع كان يستخدمه الزعيم الراحل معمر القذافي خارج بلدة أوباري الصحراوية للتأكد من وصول الثورة إلى هذه المنطقة. وتعتزم كتائب الزنتان نزع سلاح الطوارق والتوسط لحل الخلافات وعقد مصالحة بين المنطقة والحكومة المؤقتة في الشمال متمثلة في المجلس الوطني الانتقالي، وينظر كثيرون اليهم بارتياب. وقال أحد القادة “أرسلتني وزارة الدفاع لتسوية الوضع هنا” متهما الطوارق بالقتال في صف القذافي واغتصاب النساء في مصراتة والزاوية بالشمال اللتين شهدتا معارك طاحنة خلال الحرب الأهلية. وأضاف “سأصلح الأمر، نحن من الزنتان ونحن ثوار حقيقيون، يجب أن نحتفظ بالسيطرة هنا.”
مخاوف من أعمال عنف ويواجه المجلس الوطني الانتقالي مهمة صعبة لمصالحة جماعات في شتى أنحاء البلاد بعد رحيل القذافي الذي حكم ليبيا 42 عاما، وفي بلدات بشتى أنحاء ليبيا يقول سكان أن هناك قتلى سقطوا في غارات شنتها كتائب للثوار سعت إلى الانتقام ممن اعتقدت أنهم كانوا يقاتلون في صف القذافي، وهناك مخاوف من وقوع أعمال عنف إقليمية خاصة في معاقل القذافي السابقة في سرت وبني وليد وسبها على بعد 200 كيلومتر من أوباري. وكانت هذه المنطقة واحدة من آخر معاقل القذافي في ليبيا ولم تسيطر عليها القوات الموالية للمجلس الوطني الانتقالي بالكامل إلا بعد شهر من الإطاحة به. وساند الكثير من الطوارق القذافي لأنه دعم في السبعينات تمردهم ضد حكومتي مالي والنيجر حيث توجد أعداد كبيرة من الطوارق ثم سمح لأكثر من 100 ألف منهم بالاستقرار في جنوب ليبيا، وتمثل هذه القبائل أهمية للأمن الإقليمي لان الطوارق لهم نفوذ هائل في الصحراء الخاوية الشاسعة التي يستغلها مهربو المخدرات والإسلاميون المتشددون كملاذ آمن لعملياتهم. وتجعل الحدود غير المحكمة والاستياء وتوفر الأسلحة من المنطقة ،واحدة من النقاط الساخنة المحتملة التي تمثل تحديا مسلحا للحكومة المؤقتة.
الطوارق لسنا مرتزقة ويقول الطوارق: إنهم ضحايا للتغطية السلبية للصحافة إذ وصفوا بمرتزقة القذافي لأنه استعان بأفارقة داكني البشرة للقتال في الشمال واتهموا بإيواء عائلة القذافي والموالين له وهو زعم يتمسك به كثيرون في الشمال بما في ذلك رئيس الحكومة المؤقتة. وقال أغالي الذي جاء للقاء مقاتلي الزنتان ومناقشة ما سيحدث في المرحلة القادمة “لا يزال هناك الكثير من أنصار القذافي في الصحراء ومعظمهم من داكني البشرة ويتحدثون العربية، يعتقدون أنه إذا سقط القذافي سيصبحون عبيدا مرة أخرى، الحياة كانت صعبة جدا عليهم قبل القذافي.” وأضاف “لكن معظم الطوارق ليسوا من مؤيدي القذافي، رأينا طائرات كثيرة تجلب مرتزقة من دول أفريقية للقتال في الشمال (خلال الحرب).” ويقول “معظم أنصار القذافي هنا يمكثون في منازلهم ويحاول كثيرون الانضمام للثورة، ستتحسن الأوضاع ببطء.” وعلى الرغم من أن المنطقة يسكنها أبناء من الزنتان من الجيل الثاني والثالث فإن الكثير من المقاتلين جاؤوا أثناء الصراع وتصرفوا كقوة احتلال يحملون السلاح ويقومون بدوريات في الشوارع في قوافل.
الثوار يطلقون النار علينا ويقولون أن أحد أبناء الزنتان قتل أحد رجال الطوارق بالرصاص مؤخرا لكن قلة هي التي تريد التحدث عن التفاصيل وتجري الوساطات خلف أبواب مغلقة فهم يرون أن الخلافات القبلية يمكن أن تتحول إلى مزيد من أعمال العنف. وقال احمد ماطو وهو وسيط من الطوارق من بلدة أوباري التي يسكنها نحو 400 ألف نسمة وتعج بالمهاجرين الفقراء كثير منهم من الطوارق من مالي والنيجر وتشاد “كان هناك رجل يسير في الشارع وأطلق الثوار النار عليه.” ويجلس ماطو في غرفة مليئة بالثريات. ومعظم الخزانات فارغة وبدا واضحا أن استخدام القذافي للفيلا كان نادرا لكن الآن تغطي الكتابات الثورية جدرانها ويحرسها مقاتلون في شاحنات صغيرة. في إحدى الكليات بوسط أوباري جاء وفد تابع للمجلس الوطني الانتقالي من طرابلس لعقد لقاء مع نحو 200 من شيوخ الطوارق وبعض مقاتلي الزنتان.
ممثل الانتقالي ليبيا أولاً وقال ممثل للمجلس في مكبر للصوت “يجب أن أهتم بليبيا وليس بقريتي أو بنفسي وحسب.” وأضاف وسط تهليل الحشد “الطبيب في أوباري مثله مثل طبيب من طرابلس أو بنغازي.” ويريد معظم أبناء الزنتان والطوارق أن يعطوا انطباعا بإحراز تقدم ويضحكون ويتبادلون المزاح لكن الأجواء تتوتر في بعض الأحيان. وحين منح الطوارق الفرصة ليعبروا عن شكاواهم قال رجل: إن سيارته سرقت وطالب آخر بالإفراج عن الطوارق الذين قاتلوا في صف القذافي في الزنتان. وقال قائد عسكري بالمجلس الوطني انه سيتم الإفراج عن السجناء بعد عيد الأضحى هذا الأسبوع لكن مقاتلا من الزنتان صاح قائلا “أياديهم ملطخة بالدماء. الطوارق وقعوا اتفاقا مع القذافي.” وضجت القاعة بالصراخ حين حاول الطوارق تفنيد هذا الزعم، ويخشى الطوارق من الأعمال الانتقامية وحاول رجال القبائل خلال الاجتماع تصوير أنفسهم على أنهم ضحايا أيضا.
الحرب تركت جروحا وقال موسى الكوني ممثل الطوارق في المجلس الوطني الانتقالي :إن الحرب تركت جروحا نفسية تتطلب التركيز على المصالحة، وأضاف أنه يأمل أن يستعيد الطوارق الثقة التي فقدوها قائلا : إنهم لسوء الحظ شاركوا في هذه الحرب، وأضاف قبل أن تقله طائرة نقل عسكرية إلى العاصمة أن هذا يخلق كرها للطوارق وعبر عن خشيته من اندلاع شرارة وطالب بضرورة التخلص من هذه الشرارة من البداية قبل أن تتحول إلى حريق مستعر. ليبيا، القذافي، الربيع العربي، الثورات