ما زالت ظاهرة «الافتراش» تتمسك بكونها الرقم الأصعب على الجهات المعنية بشأن فعاليات الحج تجاوزه على رغم الاستعدادات والتدابير التي تبذلها في سبيل القضاء عليها كل عام، ومحاولاتها الحثيثة في الخروج بموسم خالٍ من الممارسين لهذه الظاهرة. ولم يكن موسم حج هذا العام -الذي رغماً عن ظواهر التنظيم البائنة على ملامحه العامة- إلا أنه ليس بأفضل حال من سابقيه في هذه الناحية من الممارسات، ففي مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة تحديداً وقفت «الحياة» على محاولات يقودها الأمن العام والجهات المختصة بالحج لا تعترف بالركون والسعي بالطرق والوسائل كافة من أجل إخراج موسم خال من المخالفين لأنظمة وقوانين الحج. وتواجه الجهات المختصة صعوبات عدة لمحاصرة هذه الظاهرة، منها طبيعة مكةالمكرمة الجبلية التي تقدم للحجاج من هذا النوع خدمات كبيرة ومساعدات تحملهم إلى الذهاب إلى الأراضي المقدسة وهم متيقنون من عدم محاصرتهم، إذ يستغل المتسربون الجبال كمخابئ يتسللون عبرها إلى المشاعر وتمثل لهم في الوقت نفسه متكأ ً هادئاً من زحمة الحجيج وأكثر تعرضاً للتهوية الطبيعية نظراً إلى ارتفاعها الشاهق، لذا فإن المفترشين يتخطون هذه الحواجز كالماء المتدفق، ضاربين بسياج الحواجز والاحترازات عرض الحائط. في «منى»، نصب فواز الطلحي شمسيته الصغيرة التي اصطحبها معه كي تقيه حر الشمس، إذ لم تكن سوى سويعات -وفقاً له-، ويذهب الليل عناء النهار، وأضاف ل «الحياة» «إنه لا فرق بين الحج عبر الحملة أو من طريق الافتراش»، لافتاً إلى أن هذه هي المرة الثالثة التي يؤدي فيها فريضة الحج، وبحسبه، فإنها مختلفة عن الحجتين السابقتين «اللتين حصلت فيهما على تصريح وحججت مع إحدى الحملات، لكنني من واقع تجربتي أشعر الآن بارتياح كبير، فالحج من دون الارتباط بحملات يشعرني بالروحانية أكثر من الحج معها»، وأردف: «لا أشعر بفارق كبير بين الحج عبر حملة أو من دونها، بل إن الحملة تطلب من الحاج أسعاراً خرافية مقابل خدمات ليست بالمستوى المطلوب، ويعتقد فواز أن الكثير من الحجاج يجبرون على التعامل مع الحملات من أجل صحبة عائلاتهم معهم إلى الأراضي المقدسة. وتابع: «لم يعد الافتراش مسألة صعبة أو يشكل معاناة للحاج، لاسيما بعد وجود الخيام الصغيرة التي تستخدم عادة في رحلات الصيد، فنصبها السهل ومساحتها الصغيرة جعلاها منتشرة بكثافة في المشاعر المقدسة مشكلة بألوانها المتعددة منظراً أقرب ما يكون إلى السياحية وهي تكفي من اثنين إلى أربعة أفراد، وربما وجب الآن تغيير مسمى «الافتراش» إلى «التخييم المخالف». وعلى شاكلة سابقه، نصب الحاج الباكستاني مصطفى عبدالغفور (40 عاماً) خيمة واصطحب معه زوجته وبنات أخته وهو سعيد جداً بالتواجد العائلي الذي أتاحته له الخيمة الصغيرة أكثر من الشقق الفارهة - على حد وصفه- وزاد: «أنا مقيم في مدينة الرياض، اتيت للحج وأول ما فكرت فيه هو شراء هذه الخيمة والصغار سعداء جداً بها»، واسترسل: «نتناوب أنا وامرأتي لحراسة مأوانا (الخيمة) فأنا أجلس فيها وهي تذهب لشراء الأغراض، وأحيانا نتبادل الأدوار»، أما ما يخص المرافق، فنستخدم المرافق العامة، أما الماء والكهرباء فهما متوافران في المشاعر، وليس هناك ما يجعلنا في حيرة من أمرنا. في موازاة ذلك، اعترف أحد المطوفين عبدالرحمن القحطاني ل«الحياة» بارتفاع أسعار الحملات، لكنه عاد واستدرك: «بغض النظر عن ذلك فهي بلا شك تقدم الكثير من الخدمات للحاج من ناحية المسكن والطعام وما يتطلبه في أيام الحج، كذلك هناك برامج إرشادية ودينية تقدمها الحملات للحجيج، إضافة إلى خدمات المواصلات والتنقلات بين المشاعر». ... وإقبال كبير على «خيام» أم عثمان «الملونة»!