هكذا اذن واخيراً يعترف النظام السوري، من خلال موافقته على الخطة العربية، ان الازمة التي يواجهها هي ازمة داخلية مع المعارضة، ولا مؤامرة خارجية ولا من يتآمرون. والدليل موافقته على الحل الذي رسمته اللجنة الوزارية العربية، وهو حل هدفه تلبية معظم المطالب التي ترفعها المعارضة. فبنود الخطة العربية لا تتطرق سوى الى اعمال العنف والقتل، والى ضرورة سحب الآليات العسكرية من المدن، وهي آليات تنفذ الخطة التي يأمرها النظام بتنفيذها، وبالتالي يصعب القول انها اداة في يد المؤامرة الخارجية. كذلك تدعو الخطة العربية الى الافراج عن المعتقلين في سجون النظام، والى افساح المجال امام ممثلي الجامعة ووسائل الاعلام الاجنبية لدخول سورية والاطلاع على ما يجري فيها. وهو تأكيد اضافي على ان الوزراء العرب ليسوا مقتنعين برواية «العصابات الارهابية المسلحة» ويريدون دليلاً محايداً على هذه الرواية. ما الذي دعا النظام السوري الى التراجع فجأة عن اتهاماته المتكررة؟ ما الذي دعاه الى قبول «التدخل الخارجي» الذي كان يرفضه والى وضع بيضه في سلة الاطراف العربية التي كان يتهمها بالتخطيط ضده، ومن بينها بالطبع قطر، التي يعتبر النظام السوري قناتها الاعلامية الرئيسية «الجزيرة» مصدراً لمتاعبه؟ من دون شك هناك اولاً المأزق الذي وصل اليه النظام بعد ما يقارب ثمانية اشهر من وعود الاصلاح المؤجلة واعمال القتل المتصاعدة، والتي ما عاد حتى النظام نفسه يستطيع اخفاءها. فلا هو قادر على وقف الاحتجاجات ولا يستطيع تحمّل تركها تتدهور اكثر. لقد بلغ الامر بالنظام السوري انه بات مضطراً لاجراء عمليات تبادل أسرى ورهائن مع القائمين على حركات الاحتجاج، كما حصل أخيراً بعد اقدامه على خطف إحدى نسيبات الدكتور برهان غليون. فرد المعارضون بخطف عدد من افراد القوات الأمنية المناصرة للنظام، وهو ما اضطره الى مبادلة السيدة المخطوفة بهؤلاء. ثم هناك التدهور الامني الذي اخذت تشهده المدن، وحمص وحماة على الخصوص، والذي بدأ ينزلق من مجرد مواجهات بالسلاح الى اعمال قتل على الهوية بين السنّة والعلويين. كل هذا اصبح يؤكد يوماً بعد يوم ان النظام لم يعد يمسك وحده بالحل الامني. فالاحتجاجات تأخذ اكثر فأكثر طابعاً مسلحاً، سواء نتيجة اتساع عمليات الانشقاق عن الجيش، وهرب العناصر المنشقة مع اسلحتها، او نتيجة دخول السلاح الى سورية، بعد ان اخذ المتظاهرون يشعرون ان قتلهم اليومي يستدعي منهم الدفاع عن انفسهم بأية وسيلة. الى ذلك بات النظام السوري يشعر، كما يبدو، ان الورقة العربية هي ورقته الاخيرة. الروس والصينيون، آخر حلفائه على المسرح الدولي، ايدوا هذه الورقة ودعوه الى التجاوب معها. وكل من الشيخ حمد بن جاسم والامين العام للجامعة نبيل العربي اسمعوا الرئيس بشار الاسد كلاماً واضحاً مفاده ان العرب سيرفعون يدهم عن الملف السوري اذا تم افشال مبادرتهم هذه، مع العواقب التي تترتب على ذلك، وبينها تحويل هذا الملف الى مجلس الامن الدولي. انه اذاً مخرج يحاول النظام الافادة منه لالتقاط انفاسه، وربما للاستعداد لجولة جديدة. لكن شروطه بالغة الكلفة اذا صدق الوعد بتنفيذ البنود التي أُعلنت. فعندما يقوم النظام السوري بسحب دباباته من الشوارع، وعندما يسمح بالتظاهرات السلمية التي تطالب باسقاطه، وعندما يترك وسائل الاعلام الخارجية تسرح وتمرح وتغطي وتصور في المدن السورية كما تشاء، عندما يفعل النظام السوري كل ذلك، لا يعود النظام الذي نعرفه. هل يستطيع النظام السوري ان ينفذ هذه المطالب ويحافظ على نفسه في الوقت ذاته؟ هذا هو السؤال الذي يجدر اليوم بالمعارضة السورية ان تترك النظام يجيب عليه، من دون ان تتدخل من جانبها لانقاذه. فاذا كان من مخرج للنظام من مأزقه الحالي، فانه سيكون من خلال خلافات المعارضة حول الموقف من المبادرة، وهو ما يسمح للنظام باظهار اطراف المعارضة وكأنها هي التي تعرقل الحل العربي. وخصوصاً انه ليس مطلوباً منها في هذه المرحلة تنفيذ اي مطلب. بل المطلوب ان يثبت النظام صدق نواياه ويوقف اعمال القتل تجاوباً مع الحل العربي.