نجاح الثورات الشعبية في أكثر من بلد عربي وتوالي سقوط الأنظمة الطاغية والفاسدة، يضع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وسط تحديات جديدة، تبدأ من بناء الديموقراطية والاستقرار المؤسساتي، وصولاً إلى الارتقاء الاجتماعي والتنمية البشرية، مروراً بالتطور الاقتصادي ومعالجة الاختلالات الإنتاجية والمالية. وتبدو المنطقة العربية، في كل محطة من هذه المحطات، ضمن الاهتمام العالمي، ما يزيد من حجم التحدي ويربط الثورة بأهداف التنمية والاستقرار وربما الازدهار المطلوب لمنطقة يقدر حجمها الاقتصادي الافتراضي بنحو تريليوني دولار، وتوجد في رقعة جغرافية استراتيجية على ضفاف بحار ومحيطات وتتمتع بموارد طبيعية وبشرية مهمة. وأشار مشاركون في ندوة حول «التنمية البشرية في العالم العربي»، نظّمها «برنامج الأممالمتحدة الإنمائي» بالشراكة مع «المندوبية السامية في التخطيط» في الرباط، إلى أن عدد السكان العالم العربي سيرتفع من 330 مليون نسمة عام 2007 إلى 385 مليوناً عام 2015. وتحتاج المنطقة العربية إلى توفير عشرات ملايين فرص العمل للشباب الذين سيمثلون 60 في المئة من إجمالي السكان عام 2020، مع ما يحمله ذلك من تحدٍّ في مجالات التعليم والتكوين والتأهيل والعمل، وصعوبات اقتصادية في السكن والبناء والتمدن. وأكدت الندوة أن التحدي يشمل أيضاً الجوانب التكنولوجية والبيئية والتجارية والإنتاجية الغذائية، في عالم حيث المنافسة حادة والتجمعات الاقتصادية كبيرة، لا مكان فيه للكيانات الصغيرة أو الفقيرة. وفي حين يمثل التوسع الديموغرافي عنصر قوة في المنطقة العربية، إلا أنه يزيد من أعباء الحكومات المقبلة، التي يتوجّب عليها توفير فرص عمل كافية لامتصاص بطالة متصاعدة، خصوصاً لدى المتعلمين وحملة الشهادات الجامعية، في منطقة لا تزال تعاني من الأمية والتخلف الاجتماعي والفوارق الطبقية والفساد الإداري وضعف الحوكمة والممارسة الديموقراطية. ويُتوقع أن يرتفع عدد سكان المدن العربية إلى أكثر من 60 في المئة من مجموع السكان مع نهاية العقد الجاري، في حين كانت النسبة لا تتجاوز 38 في المئة عام 1970، عندما كان الريف يوفر الطعام، ما سيزيد الاعتماد على الخارج في مجالات غذائية واستهلاكية. وتبدو الفترة الممتدة إلى عام 2020 حاسمة في المنطقة العربية، إذ تقع عليها مسؤولية مستقبل الأجيال المقبلة، لذلك ينصح الخبراء بالاهتمام بمجالات التعليم والتأهيل وإيجاد فرص العمل للشباب وتقليص معدلات الفقر عبر سياسات اجتماعية عدة، منها «برنامج تحدي الألفية» الذي أقرّته الأممالمتحدة عام 2000 بهدف تخفيض نسب الفقر إلى النصف بحلول عام 2015، عبر رفع الدخل الفردي وتحسين الخدمات الاجتماعية الأساسية وتعليم الفتاة القروية وتطوير المنظومة الصحية لسكان القرى والارتقاء بوضع المرأة وتقليص الفوارق بين فئات الوطن الواحد، إضافة إلى العمل على قيام تكتلات اقتصادية على غرار مناطق أخرى في العالم، وتقريب التشريعات وفتح الحدود وإنشاء شركات عملاقة متعددة المساهمة.