لم تدم التهدئة التي توصلت إليها مصر بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل صباح أمس سوى ساعات قليلة، إذ انتهكتها طائرة إسرائيلية أغارت على مدينة رفح، ما أدى إلى استشهاد الناشط في «كتائب المقاومة الوطنية»، الذراع العسكرية ل «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» أحمد جرغون (24 سنة) وإصابة قائدها في رفح. وجاءت الغارة بعد نحو ثماني ساعات على عودة نسبية للهدوء في قطاع غزة بعد نجاح مصر في التوصل إلى تهدئة جديدة بين الفصائل، خصوصاً حركة «الجهاد الإسلامي» وإسرائيل، بعد يوم دام راح ضحيته تسعة شهداء وعدد من المصابين من ناشطي الحركة والمواطنين المدنيين، اضافة إلى مقتل إسرائيلي. وعلى رغم أن التهدئة بدأت عند السادسة من صباح أمس بتوقيت غزة (الرابعة بتوقيت غرينتش)، إلا أن ناشطين من «سرايا القدس»، الذراع العسكرية ل «الجهاد» أطلقوا صاروخين على «كيبوتز العين الثالثة» (قرية زراعية تعاونية) و«كيبوتز رعيم» المحاذيين للقطاع بعد ساعتين من سريانها. وقال الناطق باسم «الجهاد» داوود شهاب ل «الحياة» إن «عودة الهدوء مرتبط بسلوك الاحتلال ميدانياً»، مضيفاً أن «إطلاق الصاروخين بعد سريان التهدئة كان رسالة موجهة إلى إسرائيل بأن عليها أن تلتزم هي أولاً التهدئة قبل أن تلتزمها الحركة ... وبأننا على استعداد لدفع أي ثمن من أجل منعها من تحقيق أهدافها المتمثلة في رغبتها استعادة قوة الردع التي تآكلت بعد إنجاز صفقة تبادل الأسرى، ومنع التظاهرات والاحتجاجات الاجتماعية داخلها». وأوضح أن «المسؤولين المصريين أجروا اتصالات مع قيادات من الحركة في غزة ودمشق، وتعاطينا مع الجهود المصرية، مع احتفاظنا بحقنا في الرد على أي تصعيد إسرائيلي مقبل». وأشار إلى أن «المسؤولين المصريين أبلغوا الحركة أن التهدئة متبادلة ومتزامنة». وأضاف أن إسرائيل «استجدت مصر وطلبت تدخلها لتثبيت التهدئة، وهي لم تتوقع كثافة النيران ودقتها»، في إشارة إلى استخدام راجمة صواريخ «غراد» الروسية الصنع المحمولة على شاحنة صغيرة. وأشار إلى «فشل منظومة القبة الحديد في اعتراض صواريخ الحركة التي أصابت أهدافها بدقة»، معتبراً أن «هذه رسالة لإسرائيل والعالم أن لدى المقاومة قدرات عسكرية، على رغم محدوديتها، مؤلمة لها». في هذا الصدد، قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس إن «منظومة القبة الحديد التي نُصبت قي مدينة أسدود فشلت في اعتراض الصواريخ التي أطلقت على المدينة ... ما يثر تساؤلات عن نجاعتها، وعن التلكؤ في نشرها في مناطق الجنوب». وكانت إسرائيل اغتالت فجأة أول من أمس خمسة من ناشطي «سرايا القدس»، من بينهم قائد بارز، وصعدت في الساعات اللاحقة من اعتداءاتها، ما أدى إلى استشهاد أربعة آخرين من ناشطيها تم تشييع جثامينهم أمس في مواكب مهيبة في مدن رفح وخان يونس وغزة وشمال القطاع، بعدما رد ناشطوها بإطلاق عدد من الصواريخ على بلدات إسرائيلية، أسفر أحدها عن مقتل إسرائيلي وإصابة آخرين بجروح وهلع. إلى ذلك، أوضحت «سرايا القدس» أنها أطلقت 12 صاروخ «غراد»، وأربعة صواريخ «قدس»، ومثلها من طراز «107»، وقذيفتي هاون على بلدات إسرائيلية. وأعلنت «كتائب الشهيد أبو علي مصطفى»، الذراع العسكرية ل «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» مسؤوليتها عن إطلاق تسعة صواريخ، من بينها أربعة «غراد»، على بلدات عسقلان وبئر السبع ويبنا رداً على «جريمة اغتيال عناصر سرايا القدس». وتبنت «كتائب المقاومة الوطنية» إطلاق عدد من الصواريخ على موقع كرم أبو سالم العسكري جنوب شرقي رفح جنوب القطاع. من جانبه، قال نائب الأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي» زياد النخالة ل «الحياة» إن «التهدئة مع العدو الإسرائيلي يجب أن تكون متبادلة ومتوازنة ومتزامنة»، مشدداً على أن هذا الحد الأدنى الذي يمكن أن يلزم حركته بالتهدئة. وكشف الاتصالات التي جرت مع مصر منذ بدء الاعتداء الإسرائيلي حتى سريان وقف إطلاق النار، وقال: «إن الجانب المصري اتصل بنا قبيل العدوان الإسرائيلي الأخير على سرايا القدس بساعتين ليبلغنا شكوى من الجانب الإسرائيلي يدَّعي فيها أننا قذفنا ثلاثة صواريخ على البلدات الإسرائيلية»، نافياً أن تكون «الجهاد» بادرت إلى القصف. وأضاف أن مصر «بادرت بالاتصال معنا لدعوتنا إلى ضبط النفس، فأبلغت الجانب المصري عدم تمكني في الوقت الراهن من إعطائه موقفاً محدداً»، لافتاً إلى أنه «كان لدينا (الحركة) قرار بضرورة الرد ... لكنني لم أفاتح الجانب المصري في ذلك، ولم أخض معه في أي نقاش». وأشار النخالة إلى اتصالات متتالية أجراها الجانب المصري معه منتصف ليل السبت - الأحد لمتابعة الموقف الميداني، وليبلغه بضرورة وقف إطلاق النار، وضرورة الكف عن التصعيد، وطرح مبادرة لوقف إطلاق النار، «فاشترطنا أن تتعهد إسرائيل أن تلتزم وقف الاغتيالات نهائياً في قطاع غزة، فأجابنا الجانب المصري: هذا صعب، نحن سنعطيكم هذا الالتزام، وأي شكوى ستقدمونها أنتم أم هم (الجانب الإسرائيلي) سندرسها بشكل جدي ... فأجبناهم بضرورة الحصول على تعهد إسرائيلي مكتوب ويتم مناقشته معهم، وقلنا لهم إذا أعلنت إسرائيل التزامها وقف إطلاق النار ليست لدينا إشكالية، فرجع المصريون لنا، وقالوا: نطالب الجميع بوقف التصعيد، ووقف إطلاق النار الساعة الثالثة فجراً ... لكننا أبلغناهم بأن يعطونا فرصة لنبلغ القادة الميدانيين بذلك، وطالبناهم بأن ينفذوا الاتفاق الساعة السادسة فجراً لأننا قبل ذلك لن نكون جاهزين لالتزام التهدئة». وأوضح النخالة أن قيادة الحركة ضغطت على القادة في الميدان كي يقبلوا بالاتفاق كما جاء لأنه كان لديهم الاستعداد لمواصلة القتال، خصوصاً بعد سقوط تسعة شهداء في صفوف الحركة، وقال: «مصر بذلت مساعي من أجل التوصل إلى تهدئة وطالما اتصلوا بنا. كان يجب إذن أن نتجاوب مع جهودهم لتعزيز أجواء الثقة في ما بيننا واحتراماً لدور مصر ومكانتها». وعما إذا كانت المبادرة المصرية للتهدئة جاءت بطلب إسرائيلي، قال: «ما فهمته من المصريين أن إسرائيل هي التي بادرت بالاتصال معهم». ولفت إلى أنه أجرى اتصالاً هاتفياً مع الوسيط المصري للتهدئة صباح أمس ليخبره بحدوث خروق إسرائيلية، وقال: «أردنا أن نوضح للمصريين بأننا ملتزمون التهدئة، وحتى لا نتحمل مسؤولية أي تصعيد أو خروق». وأوضح أن «الجهاد» ليست معنية بالتصعيد، وقال: «رغم ذلك، فإن مصر واسرائيل معنيتان أكثر منا بإنجاز التهدئة لاعتبارات سياسية». وأوضح أن «هذه ليست عنجهية بل حقيقة، فنحن خلقنا مشكلة لدى الإسرائيليين»، مشيراً إلى أن عشرات الآلاف من المدنيين في البلدات الإسرائيلية ذهبوا إلى الملاجئ، وقال: «هذا ليس أمراً بسيطاً، فالمدنيون لدى إسرائيل هم الخاصرة الرخوة، لذلك سعى الإسرائيليون إلى التهدئة».