«م س» اسم مستعار لأحد المنتمين إلى ناد «فضَّل عدم ذكر اسمه»، ربما يكون محمد سعد أو ماجد سالم... وباب الاحتمالات مفتوح، والساحة خالية من أي أدلة أو إثباتات. لا يزال سعوديون وسعوديات يتجنبون أو يتهربون من ذكر أسمائهم في الصحافة ووسائل الإعلام، فليس المسؤولون وحدهم من يتهربون من ذلك. هي ثقافة لا يمكن تجاهلها لدى فئات سعودية، سواء كان الموضوع «حساساً» أو «هامشياً». قد لا يفهم الناس بوضوح مفهوم السلطة الرابعة الذي أطلقه المؤرخ الإسكوتلندي توماس كارلايل من خلال كتابه «الأبطال وعبادة البطل»، فيخال كثر أنها السلطة الرابعة التي تلحق بالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولا يدركون أن المقصود بها القوة التي تؤثر في الشعب، لكونها تعمد إلى تشكيل الرأي العام، من طريق ما تقوم به من إخبار وإعلام وشرح وتغيير وتعقيب وإرشاد وتنوير وتوجيه وتلبية رغبات الجمهور وحاجاته. لا تدرك ربة المنزل حمدة حميدان حقيقة أسباب إخفاء اسمها أو الظهور باسم مستعار عند طرح شيء من مداخلاتها وآرائها في مواضيع عامة في صحف ورقية وإلكترونية، لكنها تبرر ذلك بقولها إن «الاحتياط واجب... ويجب أن يضع الإنسان حاجزاً بينه وبين الإعلام كي لا يتورط». وتعترف بأنها لم تتأخر في الاتصال بإحدى الجرائد للتشديد على عدم ذكر اسمها، بعدما غفلت عن تنبيه الصحافي إلى ذلك. إخفاء الأسماء وظل الموظف الحكومي «خ ف» مصمماً على ترميز اسمه على رغم مشاركته في مناقشة موضوع إخفاء الأسماء، مبرراً إحجامه عن الإفصاح عن اسمه الحقيقي في بعض مشاركاته عبر الصحافة، ب «ترصد مسؤولين وعرقلتهم مختلف طلباتي ومعاملاتي، بعد فضحي بعضاً من ممارساتهم، أو عند انتقاد إدارتهم من خلال المنتدى الرسمي للدائرة الحكومية، واضطرارهم في كل مرة لبتر مداخلاتي». ويضيف: «لذلك، وجدت أن الاكتفاء برموز وأسماء مستعارة من شأنه حمايتي». ويوضح سعد، الذي اكتفى باسمه الأول، أن وراء سلوكه هذا المسلك «الصراحة الشديدة التي أتمتع بها، فأنا استخدم المواقع الإلكترونية للتنفيس والفضفضة، وهو ما يدفعني إلى وضع طاقية الإخفاء لئلا أتعرض لنقد أو مساءلة أو بتر لحديثي كما هو حاصل في الصحافة الورقية». ويعزو الإعلامي في جريدة «اليوم» مازن العسرج تخوف بعضهم من كشف أسمائهم، إلى أن بعض شرائح المجتمع لم تصل درجة انفتاحها إلى الحد المعقول، «كما أن هناك من لديه خوف من الإفصاح عن اسمه، مقتدياً بالمثل: الجدران لها آذان، فيما يتخوف بعضهم من رد فعل سلبي». الصحافة الإلكترونية جذبت الصحافة الإلكترونية جزءاً من المجتمع، ويفسر العسرج ذلك بكونها «تضم مواد تتجاوز الخطوط الحمر، ما يدفع بقراء كثر إلى التعبير عن آرائهم بحرية عبرها». وتفنّد الاختصاصية النفسية في مدينة الملك عبدالعزيز التابعة للحرس الوطني مها مشاري آل سعود، أسباب وضع طاقية الإخفاء عند المشاركة الإعلامية، مقسمة إياها إلى اجتماعية ونفعية. وتعتبر أن «الخوف من هجوم المجتمع على المشارك وانعكاس تلك الآراء على أسرته وتوجيه النقد إلى أفكاره تضطره إلى عدم الإفصاح عن اسمه، لأن معظم شرائح المجتمع السعودي لا تفرق بين طرح الشخص ذاته وبين قبيلته وأسرته». وتضيف: «خجل بعضهم وازدواجية تربيته تلعبان أيضاً دوراً في افتقاره إلى القدرة على التعبير الطبيعي عن نفسه، ما يضاعف اضطرابه»، واصفة شخصية الذين يخافون التصريح إلى وسائل الإعلام أياً كان موضوع المشاركة، بأنهم «يحملون تراث: لا تروح وراء الشمس خليك في الظل أحسن». أما عن الأسباب النفعية التي تدفع إلى التنكر، فتقول مشاري: «عادة ما تملك هذه الشخصيات منصباً في الدولة أو تأمل في الحصول على منصب، فتفرغ طاقتها النفاقية ضد المواطن ولمصلحة المسؤول لمآرب شخصية»، واصفة هذه الشخصية ب «سيكوباتية» يخافها من حولها، لأنها «لا تتوانى عن إيقاع الأذى به». وتضيف عن شخصية من لا يتحرج من الحديث إلى الإعلام باسمه الصريح: «إما أن تكون شخصية قادرة على التعبير الحر عن آرائها من دون قلق أو خوف وتتصف بالصدق، أو لا تأبه للتعبير عن رأيها حتى وإن علمت سلفاً بما قد يصيبها من ضرر». وعن علاقة الناس بالصحافة من الناحية النفسية، تقول مشاري: «يشعر الناس بقرب الصحافة إلى نفوسهم في حال عكسها للحقيقة والواقع وحرصها على نقل معاناتهم وهمومهم وإيصال أصواتهم والدفاع عن حقوقهم بعيداً من الفرقعات الإعلامية». وفي ما يتعلق بالحلول المقترحة لتنشئة جيل لا يخاف التعبير عن نفسه من دون محو هويته وشخصيته، تقول: «يجب أن تحرص الأسرة على تربية أبنائها على التعبير عن آرائهم منذ طفولتهم في ظل احترامهم آراء الآخرين». وتوضح أن «المدرسة تُعَد من أهم المؤسسات التي من شأنها زرع السلبية في طلابها، ما يستوجب تغيير الفكر المدرسي لدى الكادر التعليمي، وتفعيل دور إدارات المدارس لخدمة الطالب والمجتمع معاً». وتلفت إلى أن «إشراك شخصيات دينية معتدلة لا تتأخر في نشر ثقافة الحقوق وحرية الرأي وتقبل الآخر، من شأنه التأثير في شخصية الجيل».